مجرد تصور … ماذا لو وافق السلطان عبد الحميد رحمه الله على شروط اليهود وقبلها في وقتها مع نهاية القرن التاسع عشر؟!
خاص ترك ميديا
الكاتب: عبدالفتاح ابو طاحون
ماذا لو وافق السلطان عبد الحميد رحمه الله على شروط اليهود وقبلها في وقتها مع نهاية القرن التاسع عشر؟!!!!… ماذا لو بعد الموافقة أصبحوا هؤلاء اليهود مستشاريه وباتوا أصحاب الكلمة العليا في ذلك الوقت في أروقة الدولة ومراكز إداراتها ؟!!!….
ربما لو وافق على اعطائهم الأرض وبرعاية تركية في ذلكم الزمان بدل الرعاية البريطانية التي تحققت لاحقاً ـ ربما لم يتبقى فلسطيني واحد ولذبحوا كل أهل فلسطين عن بكرة أبيهم بأيدٍ تركية وعثمانية إرضاء لقرار السلطان وحلفائه اليهود لو كان قد وافق ، وربما وصلت حدود الدولة الصهيونية مبتلعة ما بين الفرات والنيل … وربما لو تسلموا أمور الدولة التركية بأموالهم ونفوذهم وسطوتهم في ذلك التوقيت لتأخرت النهضة التركية التي نراها اليوم , وربما لأندثرت الأمة التركية ، وربما تم بيع أراض الدولة قطعة قطعة بصكوك مماثلة لبيع فلسطين ، لليونان ولبريطانيا ولغيرها من الدول.. فلطالما عرضت بريطانيا عروض لشراء جزر منها جزيرة كريت ولاحقاً سيطرت بريطانيا على جزيرة قبرص وكانت من أهم مناطق نفوذها…
رفضُ السلطان الحاسم أخّر قيام الدولة المسخ لأكثر من خمسين سنة ، وهذه المدة وهذا التأخير بلا شك كان في صالح الشعب الفلسطيني ، وهي مدة ليست بالقصيرة في ذلك الزمان سيما بين أحداث مفصلية للمنطقة .. تلك المدة مكنته ومنحته فرصة تشكل فيها وعيه واشتد عوده ونضجت نخبه ، ورسخ وجدانه ، وزادت ثقافته وعقيدته ورؤيته الوطنية ، والأهم تضاعف تعداده وحجمه ، ففي هذه المدة التي نضج فيها سيما في العام 36 قام بثورة كادت أن تنهي الوجود اليهودي كله على الأرض وفي عموم البلاد .. ففي تلك الثورة الشعب الفلسطيني بمفرده كبد الإنجليز واليهود الخسائر الفادحة ووضع المشروع الصهيوني على المحك ، واستطاع وضع قضيته على صدارة الإعلام العالمي والإدراك الإقليمي ..
ومن اجابيات الرفض السلطاني وما تراتب عليه من تأخير للمشروع الصهيوني هو نضج النخب في الأقليم من حول فلسطين ، فالفرصة الزمنية التي نتجت عن الرفض كانت كفيلة لظهور حركة دينية أصولية رائدة في مصر في العام 28 وازنت الميزان الأصولي والعقائدي في الصراع ، وكان من أولويات هذه الحركة التصدي للمشروع الصهيوني ، ونازلت هذه الحركة الأصولية ذات المرجعية الإسلامية الحركة الصهيونية الأصولية ذات المرجعية اليهودية في المعارك المفتوحة بداية من العام 47 ولولا هذه النزالات لكان حجم اسرائيل حين ظهورها أكبر بكثير مما حصلت عليه من أراض . فقد شكلت الحركة حائط صد عسكري وعقائدي يوازي التوغل الأصولي اليهودي وحركته الصهيونية وكبدته الخسائر الفادحة في الأرواح والمكتسبات.. وكانت جولات اقتصادية في سنوات الثلاثينيات سبقت النزال العسكري، حيث أُسس البنك العربي بأموال مصرية وعربية لمواجهة البنوك اليهودية المُستغلة للأوضاع ، وماريع أخرى غيره ، ثم تلتها المعارك العسكرية الدموية ..
بعض التصورات تهول العرض اليهودي بكميات الذهب والأموال الضخمة التي راهن عليها الصهاينة لشراء السلطان. وتميل هذه التصورات إلى خسارة السلطان في كل الأحوال كونه رفض أمر استطاع اليهود تحقيقه لاحقاً . لكن بحسابات النتائج وما تقدمه من معطيات مقروءة ـ بتأخير السلطان سقوط السلطة هذه المدة الطويلة إذ كانت آيلة للسقوط حوالي في نهية السبعينات من القرن التسع عشر ، أي ما بين سقوط الجزائر القوة المركزية في غرب السلطنة في العام 1832 وسقوط مصر قلب السلطنة في العام 1882 (خمسون عام ما بين السقوطين) . نجح السلطان بأعجوبة في الحفاظ على السلطنة مدة حوالي 42 عام أي من حوالي العام 1876 حتى سقوطها الفعلي في العام 1918 ولاحقاً خسارتها للحرب ..
أخّر السلطان سقوط السلطنة لأكثر من أربعة عقود وبهذا أعاق المشروع الصهيوني لاكثر من خمسة عقود معطياً المنطقة بشكل عام فرصة من ذهب في الوقت، ومعطياً الشعب الفلسطيني خاصةً فرصة النجاة كشعب تمثلت في مدة خمسين سنة استطاع فيها أن يحافظ على نفسه كشعب وعلى كينونته ووجوده ما يؤهله لخوض معركة فاصلة في لاحق الأيام .. رحم الله السلطان رحمة واسعة وبارك له فيما قدم لعموم أمته .. اللهم آمين ..
المصدر: ترك ميديا