تقارير

اللغة التركية بين الحاضر والماضي

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

تنتشر اللغات التركية في رقعة جغرافية واسعة، من أوروبا وحتى شرق آسيا وشمالها وتحتوي على لهجات كثيرة؛ منها: التركمانية، والتترية، والأوزبكية، والقوقازية، وغيرها من اللهجات الكثيرة التي أحياناً يكون من الصعب على متحدثيها فهم بعضهم بالأساس؛ لاختلاف تركيبات الجمل والمصطلحات.

وبحسب علماء اللغات، فالتركية تنتمي إلى عائلة لغات الأورال ألطاي التي تشمل لغات، مثل الكورية، واليابانية، وأشاروا إلى أن هذا الترابط ليس أساسياً، وإنما نتيجة للتبادل المعرفي. ومن المميزات الأساسية التي تميز عائلة لغات الأورال ألطاي تناغم حروف العلة، ولا يوجد تمييز للجنس مذكراً كان أو أنثى، والكلمات المركبة، والصفات تسبق الأسماء، والأفعال تأتي في نهاية الجملة.

وأقدم نص تركي مكتوب على حجر وُجد في آسيا الوسطى، وهي كتابات تسمى كتابات أورخون، ووُجدت في حدود ما يعرف اليوم بمنغوليا.

بعد سقوط دولة الكوك ترك، بدأت دولة الأويغور في إصدار العديد من المكتوبات والأدبيات المهمة في تاريخ الدول التركية، وهي تمثل فترة مهمة في تاريخ هذه الدول، فقد ترك الأويغور الديانة الأصلية لأجدادهم وهي الشامانية، ليعتنقوا البوذية، والبراهمية؛ ومن ثم ليقوموا بترجمة الأعمال الدينية والفلسفية للغة التركية.

أقرأ أيضا : كلغة ثانية.. اللغة التركية الخامسة عالميا من حيث الإقبال على تعلمها

والنصوص الأويغورية مع كتابات أورخون قد كتبت بما يسميه العلماء “اللغة التركية القديمة”، وتطلق هذه التسمية على اللغة التركية قبل أن يعتنق الترك الإسلام، وقد كانت منتشرة في حوض نهر تاريم، وفي حدود ما يسمى اليوم منغوليا.

فترة السلاجقة الأناضوليين!
واللغة التركية في الأناضول والبلقان، في عهد السلاجقة والعثمانيين، قد حُفظت في أعمال أدبية متعددة قبل القرن الثالث عشر الميلادي، ومن أشهر كتّاب هذه الحقبة من الزمن سلطان وليد ابن مولانا جلال الدين الرومي، وأحمد فقيه، ويونس إمري أحد أشهر مفكري وشعراء عصره.

وإذا أردنا أن نقسم التركية المحكية في تركيا تقسيماً تاريخياً، فستكون كالآتي:
– التركية الأناضولية القديمة “العثمانية القديمة ما بين القرنين الثالث والخامس عشر”
– التركية العثمانية “ما بين السادس والتاسع عشر”.
– اللغة التركية المحكية في القرن العشرين وحتى الآن.

تأثرت اللغة التركية بعد دخول الترك في الإسلام باللغة العربية؛ فقبل استقرار الأتراك في الأناضول لغة شفوية ليس لها حروف محددة، وحينما استقروا في الأناضول وجدوا أنفسهم محاطين بثلاث أمم متقدمة عليهم مدنياً؛ وهي: الفرس والعرب والروم البيزنطيون.

كما وجدوا أسلافهم من الأتراك السلاجقة، المعروفين بسلاجقة الروم، قد سبقوهم بتأسيس الدولة وتنظيمها، مستفيدين من الموروث الحضاري الإسلامي الذي خلفه العباسيون، فراحوا يقتبسون من هؤلاء جميعاً ما يحتاجون إليه.

فأخذوا من السلاجقة نظم الدولة ومؤسساتها، ومن الفرس الشعر والأدب، ومن البيزنطيين العمارة وهندسة المدن والقلاع، ومن العرب معظم ما له علاقة بالثقافة والدين والتاريخ، كما اقتبس الأتراك من العرب الحروف العربية لكتابة لغتهم.

ويقول البروفيسور الهندي محمد حميد الله: “ليس الأتراك وحدهم من اتخذ الحروف العربية لكتابة لغتهم؛ بل شاركهم في ذلك معظم الشعوب المسلمة من غير العرب، فالهنود والفرس ومسلمو المالايو (مسلمو ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند)، وكذلك مسلمو إفريقيا وغيرهم”. وقد علل ذلك برغبة المسلمين من غير العرب في تطعيم لغاتهم المحلية بالمفردات العربية؛ لكي يسهل عليهم تعلُّمها والاقتراب أكثر من الثقافة الإسلامية، وعلى رأسها القرآن الكريم والحديث.

لا يُعرف، بشكل محدد، متى تم اعتماد الحروف العربية لكتابة اللغة التركية التي ستكون بعد ذلك (التركية العثمانية). لكن في بعض الأقاويل، السلطان مراد الأول هو أول من اعتمد اللغة التركية لغة رسمية للدولة واعتمد الحروف العربية لكتابتها، والبعض يقول إن السلطان أورخان بن عثمان، مؤسس الدولة العثمانية، هو من اعتمد ذلك.

ومن أوائل المبسِّطات للغة التركية، ما كتبه محمد الكاشغري أو الكاشخري “ديوان لغات الترك” عام 1072، وهو عبارة عن معجم للغة لتركية، ليساعد العرب على تعلُّم اللغة التركية. وفي القرن الذي يليه، كتب الأديب أحمد محمود يوكنري “عتبة الحقائق” وهو كتاب باللغة التركية، ولكن العنوان كان باللغة العربية، وكل هذه مؤشرات على عظيم تأثير الإسلام على الأمة التركية، ولغتها.

في فترة السلاجقة الأناضوليين، ودولة القرامانيين، بُذلت العديد من الجهود أدت إلى قبول اللغة التركية كلغة رسمية، ونشر معجم تركي لسلطان ولد، وتبعه في ذلك أحمد فقيه، وصياد حمزة، ويونس إمرة، حيث تبنّوا النمط نفسه في استخدام الكلمات الأناضولية القديمة والتي كانت تُستخدم حتى عام 1299.

فترة الدولة العثمانية والوقت الحالي
بعد ظهور الدولة العثمانية، قام السلطان أورخان بإصدار أول نص رسمي من قِبل الدولة باللغة التركية -وهذا يؤيد رأي من يقول إنه هو من اعتمد اللغة التركية واختار لها الحروف العربية حروفاً لكلماتها- وسماه “ملك نامة”.

وقد كان من أبرز الشعراء والكتّاب الترك في القرن الرابع عشر، كايكوسوز ألب، وسليمان جلبي وحاجي بيرم في القرن الخامس عشر، وكورأوغلو في القرن السادس عشر. وفي عام 1530م، أصدر قدري أفندي -أحد علماء اللغة التركية قديماً- أول دراسة مفصلة لقواعد اللغة التركية سماه “ميسرة العلوم”.

من الأوصاف المميزة لأعمال تلك الفترة، ظهور المفردات ذات الأصل غير التركي، خصوصاً الكلمات ذات الأصول العربية. وقد بلغ ذلك ذروته بعد القرن السادس عشر، حيث كانت المصطلحات الأجنبية هي السائدة في الأعمال المكتوبة، واختفت بناء على ذلك بالطبع بعض الكلمات التركية من اللغة المكتوبة، فاستخدم الشعراء الشعبيون المصطلحات الأجنبية عينها.

وقد أحدث هذا تأثيراً على الحياة بشكل عام، حيث تبنَّى بعض السلاطين في هذا الوقت استخدام الألفاظ والمصطلحات الأجنبية تماماً، فصار هناك نوع من اللغة الملكية، محتوية على ألفاظ ومصطلحات لا تمت إلى الغة التركية بصلة، ولغة أخرى شعبية، يتحدثها العامة.

واستمر هذا حتى منتصف القرن التاسع عشر، فلم تكن هناك أية محاولة منظَّمة لضبط هذه الإشكالية، وقد ظهرت العديد من الحركات المقاومة لها، حتى قامت مؤسسة الإصلاح العثمانية “تنظيمات” بإيجاد مقاربة ومفهوم جديدين لحل المشاكل اللغوية، وكذلك في معظم جوانب الحياة الاجتماعية التركية.

وقد تم تقديم الثقافة الغربية للمجتمع التركي الشرقي من خلال هذه المنظمات وغيرها؛ مما أدى إلى ظهور أفكار لمحاكاة التطور الحاصل في الغرب، فقد تم نشر فكرة الإصلاح، كما أُوجدت فكرة القومية بمفهومها الغربي، وهذا التغيير أدى مفعوله في المجتمع التركي، حيث بدأت تظهر عليه التغيرات في المجالات الثقافية والفكرية.

ومن أهم الأعمال التي أسهمت في تكوين اللغة التركية بتركيا اليوم، إلغاء المصطلحات والمفردات الأجنبية من اللغة التركية، وقد انتشرت هذه الفكرة مع انتشار المجلات والصحف والدوريات في العهد الذي يسمى العهد الإصلاحي عند البعض، وقد تعاظمت جهود “التتريك”، حيث كرسوا جهودهم في بدايات القرن العشرين، لحل ما سمَّوه إشكاليات القرن التاسع عشر عن طريق التنظير اللغوي وغيره من الوسائل.

وفي الفترة ما بعد سقوط الدولة العثمانية، جرى تطبيق ذلك إجباراً من خلال الحكومة، وتم استخدام العديد من الدوريات مثل “جنش قلملار” أو “الكتّاب الشباب” في نشر اللغة المنقّحة -على حد رأيهم- في أوسع نطاق من الأراضي والأعراق التركية، وهو الذي ما زال يُعمل به حتى الآن.

وبحسب موقع “خبر 7” التركي، في تقرير له عن عدد الكلمات الأجنبية في اللغة التركية، فإن اللغة التركية واجهت العديد من عمليات حذف الكلمات الأجنبية، بعد تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، ولكن هذه العمليات لم تنجح في جعل اللغة التركية لغة تركية صافية؛ بسبب عدم وجود تصور قوي عن الحالة السابقة للغة التركية.

وأدى هذا إلى إفقار اللغة التركية بشكل واضح، بحيث أصبح الجيل التركي الجديد عاجزاً عن فهم ما كتب أجداده في السابق، موضحاً أن عدد كلمات اللغة العثمانية، قبل تأسيس الجمهورية التركية، بلغ قرابة المليون كلمة، ولكن عقب تأسيس الجمهورية التركية وتتريك لغتها بلغ عدد كلماتها 111027 كلمة.

ويبين الموقع أن عدد الكلمات الأجنبية الموجودة في اللغة التركية 14198 كلمة، وما يعادل نصف هذه الكلمات هي كلمات عربية، وأن الفارسية حتى يومنا هذا تشكل القوافي التركية الأدبية إلى يومنا هذا.

واليوم، على الرغم من مرور قرابة قرن من الزمان على تأسيس مجمع اللغة التركية، وبدء ما سمّوه حملات تطهير التركية من الكلمات العربية، ما زالت اللغة التركية تحتوي على آلاف المفردات العربية التي لا يستطيع التركي الاستغناء عنها؛ لأنه من دونها لا يمكنه أن يكوّن جملتين صحيحتين دون الاستعانة بكلمة عربية أو أكثر.

أنقرة _ ترك ميديا

المصدر : عربي بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى