تقارير

خير الدين بربروس.. أمير البحار الذي أرعب أوروبا

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

خير الدين بربروس.. أمير البحار الذي أرعب أوروبا

ترك ميديا

أحمد الحسين – كاتب سوري

يشهد إنتاج الدراما التاريخية في تركيا نشاطاً لافتاً يسير بخط متواز مع السياسات العامة للدولة التركية، والتي لوحظ في بعض أعمالها الفنية قصدها بإرسال رسائل داخلية وخارجية في ظل معاركها التي تخوضها لحماية مصالحها الاستراتيجية.

فمن المسلسل التاريخي الشهير “قيامة أرطغرل”، إلى “عاصمة السلطان عبد الحميد” وصولاً للإنتاج “بربروس”؛ تواصل تركيا في رواية تاريخها للشعوب، عبر مزيد من المسلسلات والأفلام ذات الإنتاج الضخم والكثيف.

المنشأ والبدايات

“خير الدين بربروس باشا”، أول قائد للأسطول البحري العثماني، لا يزال يُصنّف حتى اليوم أحد أبرز القادة البحريين، وأحد الرموز التي ساهمت في تأسيس الإمبراطورية العثمانية.

ومؤخرًا، أحيت تركيا الذكرى 473 لوفاة أمير البحار الذي خلد اسمه في مجلدات التاريخ والذاكرة الإنسانية الجماعية بانتصاراته البحرية، وتقنياته التي ابتكرها وساهم من خلالها في وضع أسس لواحدة من الإمبراطوريات الأكثر تأثيرًا في التاريخ البشري.

فيما يلي، لمحة عن هذا القائد البحري:

من هو خير الدين بربروس باشا

وُلد “خير الدين بربروس باشا” عام 1478، في ميديللي التي استقر فيها والده “صباحي يعقوب آغا”، بعد فتحه للجزيرة.

اسمه الأصلي هو “خضر بن يعقوب”، وقد منحه السلطان “ياوز سليم”، لاحقًا، اسم “خير الدين”.

ما معنى عروج ريس

ولقب الأوروبيون شقيق خير الدين الأكبر، أوروج (عروج)، بـ “باربروسا”، وذلك بسبب ميل لحيته إلى اللون الأحمر أو البرتقالي. وعند وفاة شقيقه، اتخذ خير الدين باشا الاسم نفسه الذي يقابله في اللغة العثمانية مصطلح “بربروس”.

بربروس من تاجر إلى أمير للبحار

يعد “خضر” الأصغر عمرًا بين 4 أشقاء، وقد عمل تاجرًا في شبابه، متنقلًا بين مدن ميديللي، وسلانيك، وإيغري بوز.

وفي العام 1502، بدأ وشقيقه “عروج” بمحاولات فرض السيطرة على البحر المتوسط، حيث اكتسبا شهرة كبيرة في تلك الفترة بفضل الانتصارات التي حققاها في إسبانيا، وجنوة “جنوبي إيطاليا حاليًا”، وفرنسا.

وفي العام 1516، أرسل الشقيقان قسمًا كبيرًا من الغنائم البحرية التي استوليا عليها إلى السلطان “ياوز سليم”، كهدايا، ثم بدآ، بعد تلقيهما الدعم من الدولة العثمانية عقب ذلك، بفرض السيطرة على بعض الأراضي في شمال إفريقيا.

وفي هذا الإطار، أحكما السيطرة على الجزائر بين عامي 1516-1517، بعد سلسلة من المعارك ضد الغزاة الإسبان والجنويين.

استشهاد عروج ريس

لكن وبعد تحالف الإسبان مع السكان المحليين، شن والي تلمسان، الذي لجأ سابقًا إلى إسبانيا، هجومًا مضادًا على الجزائر عام 1518، قتل خلاله شقيقا خير الدين باشا، “إسحق” و”عروج”.

اقرا ايضا: ريس عروج.. أسطورة النضال البحري العثماني

بربروس والدولة العثمانية

بعد وفاة شقيقيه، استمر “خير الدين باشا” في حكم الجزائر لفترة، قبل أن يتخذ قرارًا مصيريًا، ويرسل بوفد إلى السلطان العثماني ياوز سليم، لعرض دخول الجزائر في حكم الدولة العثمانية.

ولاقى العرض قبولًا من السلطان، وأمر بصك النقود باسمه، والخطبة له في المساجد، وعيّن “خير الدين باشا” واليًا على البلاد.

كما أرسل السلطان العثماني إلى “بربروس” قوة من سلاح المدفعية وفرقة من قوات الإنكشارية قوامها ألفي جندي، لتدخل بذلك الجزائر تحت حكم الدولة العثمانية، قبل أن يمنح السلطان اسم “خير الدين” باشا، لـ “الريس” خضر.

وبعد ذلك، ساهم “خير الدين باشا” في إنقاذ الآلاف من مسلمي الأندلس من ظلم محاكم التفتيش الإسبانية، إذ قام بنقلهم بواسطة السفن التركية إلى السواحل الإفريقية، واستقر حوالي 70 ألفًا منهم في الجزائر.

كما حقق “بربروس” انتصارات كبيرة تحت راية الدولة العثمانية، في شمال إفريقيا، ومياه المتوسط، ضد كل من إسبانيا وجنوة وفرنسا.

انتصارات تحت راية الدولة العثمانية

وبعد وفاة السلطان “ياوز سليم”، استمر “خير الدين” بتحقيق الانتصارات البحرية تحت راية السلطان “سليمان القانوني”، إذ استدعاه الأخير إلى إسطنبول عام 1534، وعينه قائدًا بحريًا، لصد هجمات البحارة المسيحيين على شبه جزيرة مورا.

وبعد تحقيق الدولة العثمانية المزيد من الانتصارات في مياه المتوسط بفضل “بربروس باشا”، أعدت كل من الباباوية والبندقية وجنوة ومالطا وإسبانيا والبرتغال أسطولًا صليبيًا ضخمًا، بهدف مواجهة الأسطول العثماني، والتقيا في خليج أمبراسيان، في معركة بروزة البحرية، التي تعد من أكبر المعارك البحرية حتى ذلك التاريخ.

اقرا ايضا: عبد الحميد الثاني.. إطلالة على أحد أهم سلاطين الدولة العثمانية

خضر ريس يحقق نصرا عظيما على الاسطول الصليبي

وبلغ تعداد الأسطول الصليبي في معركة بروزة، أكثر من 600 سفينة، و60 ألف جندي، في حين وصل عدد السفن العثمانية إلى 122 سفينة، وحوالي 20 ألف جندي.

وحقق “خير الدين بربروس باشا” في هذه المعركة انتصارًا عظيمًا، إذ دمر 128 سفينة صليبية، واستولى على 29 سفينة، من دون أن يفقد أسطوله أي سفينة، وقتل في المعركة حوالي 400 جنديًا عثمانيًا.

وعقب ذلك النصر، عززت الإمبراطورية العثمانية من سيطرتها على مياه البحر المتوسط، وسعى الملك الإسباني “شارلكان” إلى الانتقام وشن حملة مضادة ضد الجزائر، إلا أنها باءت بالفشل.

وبناء على طلب الملك الفرنسي، فرانسوا الأول، الدعم من الدولة العثمانية خلال الحرب مع إسبانيا، كلّف السلطان “سليمان القانوني”، خير الدين باشا، بقيادة الأسطول، والتوجه نحو السواحل الفرنسية، ليتمكن الأسطولان العثماني والفرنسي من استعادة نيس عام 1543.

الإمبراطورية البحرية العثمانية

بلغت القوات البحرية العثمانية ذروة مجدها في عهد “بربروس باشا”، إذ ساهمت الانتصارات البحرية التي أحرزها في امتداد حدود الإمبراطورية العثمانية البرية إلى البحار.

ولعب “بربروس باشا” دورًا كبيرًا في تحديد السياسات البحرية العثمانية، كما أنشأ ترسانة بحرية ضخمة لبناء السفن، تعد الأهم من نوعها في تلك الفترة.

وتوفي “خير الدين بربروس باشا” في 4 يوليو/تموز عام 1546، عن عمر ناهز الـ 76 سنة، في منطقة بيشكتاش بإسطنبول، ودُفن بالقرب من مدرسة أنشأها هناك.

اقرا ايضا: سفيرة تركيا: نبحث تصوير أجزاء من مسلسل “بربروس” بالجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى