سيلوان التركية.. عبق تاريخ الرافدين وعاصمة السلاطين
ترك ميديا
تاريخها قديم، وعرفت في المصادر العربية الإسلامية باسم “ميافارقين”، كانت مدينة مقدسة للديانة مسيحية، واتخذها عدد من السلاطين عاصمة لموقعها الاستراتيجي.
إنها مدينة سيلوان، المدينة التي تصدت للحملات الصليبية والبيزنطية في زمن الحمدانيين والسلجوقيين، وهي حاليا تتبع ولاية ديار بكر جنوب شرق تركيا.
آثار قديمة، وموقع بين الجبال، وفر لها مع أسوارها المنيعة، حماية من نوع مختلف، جعلها تكون واحدة من المدن التي استعصت على المد المغولي على مدى عامين قبل استسلامها وتدميرها.
ولكل ما سبق كانت مدينة وموقعا مفضلا لكثير من الدول التي تعاقبت على حكم المنطقة، ولذلك تضم المدينة قبور عدد من القادة.
يعود تاريخ المدينة إلى ما قبل الميلاد وهو مرتبط بتاريخ ديار بكر الذي يرجع إلى عصر الآشوريين.
تحولت المدينة قبل 16 قرنا من الزمن إلى مكان مقدس بالنسبة لأتباع الديانة المسيحية، خلال الصراع الروماني مع الفرس.
– الفتح الإسلامي
ومع الفتح الإسلامي في زمن الخليفة عمر رضي الله عنه عام 639 م، استمر في المدينة الحكم الإسلامي متعاقبا مع حكم الخلفاء الراشدين والأمويين، والعباسيين، والحمدانيين، والمروانيين، والسلاجقة، والآرتوقيين، والأيوبيين.
وحول المغول المدينة عام 1259 إلى بقايا حطام مدمرة، بعد حصار استمر لعامين نفدت خلاله المؤن والمياه.
المدينة كانت عاصمة المروانيين، وثاني عاصمة للآرتوقيين، ومن المدن الرئيسية للأيوبيين، وفي زمن الدولة العثمانية ارتبطت بديار بكر وتعتبر أكبر الأقضية في الولاية التركية حاليا.
تعتبر القلعة المتواجدة في المدينة من أهم معالم الثراء الثقافي والحضاري في المدينة، حيث تعاقبت عليها حضارات وآثار دول عديدة، إضافة لجسر مالابادي القريب من المدينة، والفريد من نوعه.
وتجري حاليا أعمال حفريات في المدينة للكشف عن قبور وأضرحة السلاطين والقادة الذين مروا منها، وتشير دلائل عديدة على الكشف عن ضريح السلطان السلجوقي ألب أرسلان وابنته في الأيام الماضية، وفق معطيات علمية عديدة.
– موقع مهم
رئيس قسم التاريخ في جامعة دجلة (حكومية) بـ”دياربكر”، أوقطاي بوظان، تحدث لـ”الأناضول” عن المدينة وأهميتها وميزاتها بالقول “قضاء سيلوان تابع لولاية ديا ربكر ويعتبر من أقدم المدن في المنطقة”.
وأضاف أن “القضاء مركز مأهول قديم باسم فارقين في العثمانية وميافارقين بالمصادر العربية، وفي المصادر السابقة يعرف باسم مارتوبوليس وتعني مدينة الشهداء”.
وبين أنه “من ناحية الموقع تعتبر المدينة في نقطة ربط الشرق بالغرب، وطبيعتها وقربها من مصادر المياه وحمايتها بشكل جيد من الجبال، جعلها تتحول إلى نقطة استراتيجية”.
ولفت إلى أن كل ما سبق “رفع من قيمتها قبل الإسلام وبعد الفتح، وكانت مركزا وعاصمة لكثير من الدول، وكانت تشكل في السابق منطقة حدودية بين الفرس والروم، وشهدت معارك حامية في ذلك الزمن القديم”.
– قاعدة أساسية
الأكاديمي التركي واصل حديثه عن مكانة المدينة بالقول “مع الفتح الإسلامي ارتبطت المدينة بالمنطقة المعروفة باسم الجزيرة (ما بين نهري دجلة والفرات) وخلال الفترات اللاحقة للفتح كان معبرا لبلاد القوقاز وكانت تعتبر قاعدة أساسية”.
وأكد أنه “في زمن العباسيين كانت مركزا مهما أيضا، والقائد المسلم سيف الدولة الحمداني قبره في هذه المدينة، حيث كان معروفا عنه حروبه مع البيزنطيين في هذه المنطقة”.
وأردف “حكم البويهيون والمروانيون هذه المنطقة، وكانت عاصمتهم، ودخلت الحكم السلجوقي والأرتوقي والأيوبي، وبالتالي كانت منطقة هامة”.
ومن جانب آخر، شدد على أن “ألب أرسلان السلطان السلجوقي جاء إلى هذه المدينة، وصلاح الدين الأيوبي ايضا جاء إليها، وهناك قبور سلاطين آخرين من حكام الدول التي تعاقبت على المدينة”.
وأوضح أن “المدينة هامة في التاريخ المسيحي، في القرن الرابع الميلادي تم إنشاء قبور لمقاتلين مسيحيين في زمن روما سقطوا في الحرب مع الفرس، وآثار المدينة باقية منها أسوار المدينة ومغارات حصوني، التي كانت ملجأ لأصحاب المعتقدات القديمة”.
– ضريح ألب أرسلان
بوظان تطرق أيضا إلى موضوع اكتشاف ضريح السلطان السلجوقي الثاني ألب أرسلان مؤخرا، بقوله “تشكلت في جامعة دجلة لجنة علمية للكشف عن قبر ألب أرسلان وهو يعتبر المؤسس الثاني للدولة السلجوقية وعاش في حوالي العام 1095”.
وأردف: “كان هذا السلطان قد تصدى لجيش صليبي كبير يبلغ تعداده قرابة 600 ألف مقاتل، وكان له دور في التاريخ الإسلامي لإيقاف هذا الجيش الكبير فاحتل مكانة هامة”.
وأوضح أن “لجنة الجامعة بعد بحث تاريخي توصلت إلى أن قبر ألب أرسلان يقع في مدينة سيلوان، وأهم المصادر هي للمؤرخ ابن الأزرق ابن المدينة ويعرفها جيدا، حيث نقل في كتابه أن السلطان توفي على ضفاف نهر الخابور في إحدى المعارك وأحضر لمدينة سيلوان ودفن بها في منطقة قبة السلطان”.
وأكمل “بعد البحث تم إجراء مسح ميداني والمعلومات كانت تشير أن قبره يقع خارج الأسوار في منطقة شمال المدينة، وبعد 8 أيام من العمل والحفريات المتواصلة ليل نهار، تم التوصل إلى قبرين أحدهما لرجل والآخر لامرأة”.
– العثور على الضريح
الأكاديمي واصل القول “تشير المصادر إلى أن ابنة ألب أرسلان توفيت بعده بـ23 عاما ودفنت بجواره وتم إحضار أخصائيين أنثربولوجيين للتحقق من الجنس والعمر وتطابقت النتائج بالمعلومات المتوفرة”.
وزاد “وصلتنا بعد تسرب معلومات الكشف عن القبر، رسائل عديدة منها أحدهم قال أنه قبل 50 عاما وكان عمره 10 سنوات، زار المنطقة وقال له والده حسب ما يذكر أن المكان هو قبر ألب ارسلان، وتوجد لوحة مكتوبة بالمعلومات الداعمة لذلك”.
وتابع بوظان مؤكدا “الحفريات أفضت للكشف عن لوحة كتابة مكتوبة بالخط الكوفي المستخدم في الكتابة السلجوقية، وشكل القبور كلها تتطابق مع المعلومات المتوفرة”.
وختم بالقول “الحفريات مستمرة ولكن اكتشاف القبور تم تأكيده وحاليا هناك مساعٍ للحصول على مزيد من المعلومات المتعلقة بالمنطقة من خلال اكتشافات يمكن الوصول إليها عبر مزيد من الحفريات”.
المصدر : الأناضول