مقالات

أردوغان، هل يُقدس من طرف محبيه؟

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

أردوغان، هل يُقدس من طرف محبيه؟

ترك ميديا

الكاتب: ياسين اقطاي

انتقدنا سياسة حظر البضائع التي تتبعها المملكة العربية السعودية ضد المنتجات التركية، وأشرنا إلى وجود عدة مشاكل مهمة تقع وراء عملية الحظر. تتمثل إحدى المشاكل في أن العقلية، التي تقرر عملية الحظر، وتقوم بتطبيقها يقبع خلفها شخص يضع نفسه مكان الرازق؛ ولكن الرزاق هو الله عز وجل، ولا يمكن لأحد أن يمنع رزق أحد.

 

قبل كل شيء، هناك بعد عن الفلسفة الأساسية للإسلام من خلال تطبيق هذه السياسة، في حال أن دولة تركيا الآن أبعد من أن تتأثر بمثل هذه الحملات، ومؤخرا يعطي الله تركيا رزقا كثيرا. وإيمانا من تركيا بأن الرزق من عند الله، فإنها تقوم بمشاركته مع المظلومين حول العالم، وحسب الدخل القومي في العالم، تحتل تركيا لأعوام المركز الأول بين الدول، التي تقدم المساعدات الإنسانية، ولا تخفى على أحد المساعدات التي تقوم تركيا بتقديمها لسوريا والصومال وميانمار وكثير من الدول بالقارة الأفريقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن القيود التي وضعتها المملكة العربية السعودية على المنتجات التركية لا تشكل نسبة كبيرة من مجموع الصادرات التركية.

رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، في الأيام نفسها، دعا إلى إطلاق حملة ضد فرنسا، وقد حظيت هذه الحملة باهتمام واشتراك من جميع أنحاء العالم، وجعلت رئيس الجمهورية الفرنسية يشعر بالقلق، ويتراجع خطوة للوراء في إساءته للرسول عليه السلام والدين الإسلامي؛ لكن أردوغان لم يقم بممارسة الضغط أو الإجبار لشراء أو عدم شراء المنتجات الفرنسية، واستمرت الحملة بشكل اختياري، فاشترك من أراد في الحملة، وعزف عنها من لم يرد

ولأن البضائع التركية أثبتت جودتها، فإنها تصدر إلى جميع دول العالم تقريبا، ومن الواضح أن هذا الرزق هو أمانة وامتحان من عند الله؛ لذا يجب علينا ألا نشعر بالتكبر والغرور، ونعتبره من عند أنفسنا، لأن الله قادر على منع هذا الرزق عنا.

 

المشكلة الثانية هي أن حملة المقاطعة التي تحاول المملكة العربية السعودية تطبيقها لم تُترك لإرادة الشعب وإنصافه، ومن خلال ممارسة الضغوط على الشركات العاملة مع تركيا، وحتى الأفراد، لقطع علاقاتهم وتجارتهم معها، فإن هذا لا يعتبر مقاطعة. إذا كان لديكم مشكلة مع تركيا ولكم شعب تثقون به، فيمكنكم من خلال التضامن مع الشعب بدء حملة لعدم شراء المنتجات التركية؛ لكن ما يحصل هو أقرب إلى الحصار منه إلى الحملة.

 

انظروا مثلا لرئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، في الأيام نفسها، دعا إلى إطلاق حملة ضد فرنسا، وقد حظيت هذه الحملة باهتمام واشتراك من جميع أنحاء العالم، وجعلت رئيس الجمهورية الفرنسية يشعر بالقلق، ويتراجع خطوة للوراء في إساءته للرسول عليه السلام والدين الإسلامي؛ لكن أردوغان لم يقم بممارسة الضغط أو الإجبار لشراء أو عدم شراء المنتجات الفرنسية، واستمرت الحملة بشكل اختياري، فاشترك من أراد في الحملة، وعزف عنها من لم يرد.

 

ومن الواضح أن المسؤولين السعوديين لا يثقون بشعبهم لإطلاق حملة مماثلة ضد تركيا، فقط بممارسة الضغط والتهديد والإجبار يمكنهم إقناعهم بذلك. بالمناسبة، في الأيام الماضية، نشرنا مقالا على موقع “الجزيرة نت” بخصوص الحملة وشبهناها بالحملة التي اتبعتها قريش ضد رسولنا عليه السلام وأصحابه الكرام، وكان صداها في الإعلام السعودي بأننا قمنا بتكفير المملكة العربية السعودية، وتشبيههم بمشركي قريش، على الرغم من عدم احتواء المقال أي عبارة تكفيرية، وحاول بعض الكتّاب إثبات أننا لسنا بأنبياء، وأن السعوديين ليسوا بكفار.

 

لكن ما أردنا قوله بعيد كل البعد عن التكفير؛ بل كانت عبرة أردنا أخذها من حادثة حصلت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. السيرة النبوية الكريمة هي دائما خير مثال لنا؛ لأنها ليست سيرة وأحداثا خاصة برسولنا الكريم فقط، إنما يجب علينا أخذ العبر والدروس من كل حادثة وكل قول وكل تجربة. الله سبحانه وتعالى عندما يخبرنا في القرآن الكريم عن شر اليهود مثلا، ليس لإخبارنا بأنهم سيئون، ولكن لأخذ العبرة وتحذيرنا من الوقوع في أخطائهم نفسها.

 

التاريخ يكرر نفسه مع الأسف وبالرغم من طرد رسولنا الكريم للبدع والخرافات والظلم والفحش من مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ إلا أننا نلاحظ أنها عادت مرة أخرى، في هذه البلدة التي يتم فيها ضمان حياة المؤمنين وعرضهم وممتلكاتهم وعفتهم وعقلهم ودينهم، اليوم مع الأسف لا يتم ضمانها أو حفظها. العلماء الذين هم ورثة الأنبياء اليوم يسجنون بدون سبب ويتعرضون للتعذيب، وأموال الناس وممتلكاتهم تصادر بشكل مزاجي وبدون سبب وجيه، كما يتعرضون للضغط في دينهم وضمائرهم، ويتم إدخال الفحش لهذه البلدات تحت مسمى الحرية والانفتاح. أنا لا أكفّر؛ لكن على الجميع التساؤل عن سبب هذه التصرفات.

عند مقارنتي لهذا الحدث بأحداث حصلت في زمن نبينا الكريم، مرة أخرى وبشكل مماثل، يقولون بأننا نقدس الرئيس أردوغان أو نقدس أنفسنا كأنبياء، ولدعم هذا الاتهام بتقديس أردوغان، قاموا بفبركة تغريدة باسم رئيس الشؤون الدينية، علي أرباش، مفادها “اليوم من يقوم بسب أردوغان سب النبي”.

 

ولكن مثلما قلنا، السيد علي أرباش لم يقل شيئا من هذا القبيل، ولا يوجد عند أحد في تركيا ميول لجعل أردوغان شخصية دينية بريئة أو ميول لتقديسه. من يحب أردوغان ويتضامن معه هو على دراية ووعي كامل بأن أردوغان بشر غير معصوم عن الخطأ، يمكن أن يصيب ويخطئ في أقواله وأفعاله، وعنده أصدقاؤه المستشارون ممن ينصحونه ويصححونه باستمرار. كما يوجد نظام انتخابي نزيه متاح للجميع لتقييم أفعال الشخص المنتخب، بالإضافة إلى الإعلام الحر الذي يملك كامل الصلاحية لانتقاده. أردوغان لا يُقدَس؛ لكن من الواضح أنه محبوب جدا بفضل أفعاله، ومن يعملون هذه الحملات ضده يريدون فقط كبح فكر شعوبهم.. ويجب رؤية ذلك.

 

المصدر: الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى