تقارير

غضب تركي.. لماذا تدعم فرنسا التنظيمات الإرهابية الكردية في سوريا؟

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

غضب تركي.. لماذا تدعم فرنسا التنظيمات الإرهابية الكردية في سوريا؟

ترك ميديا

غضب تركي متصاعد تجاه قصر الإليزيه بسبب الدعم الفرنسي المستمر للمنظمات الكردية المسلحة التي يخوض الجيش التركي ضدها حربا شرسة داخل أراضيه وخارجها.

فرنسا على وجه الخصوص لها باع طويل في دعم منظمتي “حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)”، و”وحدات حماية الشعب الكردية (ي ب ج)” وكلاهما على قوائم الإرهاب لدى أنقرة، ومن أشد أعداء الجمهورية التركية، وهو ما أدى إلى توتر مستمر في بنية العلاقات التركية الفرنسية.

إسناد العدو

مؤخرا، أجرى برلمانيون فرنسيون زيارات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في الشمال السوري، مع مكاشفات بحرص باريس على التواصل مع هذه المنظمات المسلحة.

وتحت عنوان “قصر الإليزيه يحافظ على العلاقات القوية مع أكراد سوريا”، نشرت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، تقريرا يوم 10 مارس/ آذار 2021، عن الروابط بين التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا، والحكومة الفرنسية بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون.

المجلة قالت إن ” قصر الإليزيه يواصل إدارة العلاقات الفرنسية بشكل مباشر مع الإدارة ذات الأغلبية الكردية في شمالي سوريا، وتتدخل باريس من خلال مركز الدعم والأزمات التابع لوزارة الخارجية.

المركز يرأسه إريك شوفالييه السفير السابق لدى دمشق، الذي استقبله في مكتبه يوم 13 يناير/ كانون الثاني 2021، عبد الكريم عمر الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

كما كشفت المجلة أن وفدا برلمانيا فرنسيا ذهب إلى شمال شرق سوريا في 2 مارس/ آذار 2021، لزيارة مخيمات اللاجئين هناك واللقاء مع الإدارة الذاتية الكردية.

استفزازات ماكرون

في 29 مارس/ آذار 2018، استقبل ماكرون وفدا من منظمة “بي كا كا/ ي ب جي”، وعقب الاستقبال، أصدر قصر الإليزيه بيانا، جاء فيه أن ماكرون: “يرغب في إقامة حوار بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتركيا، بدعم من فرنسا والمجتمع الدولي”.

تلك الواقعة استفزت أنقرة بقوة، وأعربت عن ردة فعل شديدة ضد البيان، وأعلن الرئيس أردوغان أن استضافة باريس وفد من منتسبي التنظيم الإرهابي، على مستوى رفيع، هو عداء صريح لتركيا.

التنسيق العسكري بين تلك الوحدات والقوات المسلحة الفرنسية مستمر ومقلق بالنسبة لأنقرة، إذ يتمركز أكثر من 70 عنصرا من القوات الفرنسية الخاصة، منذ يونيو/ حزيران 2016، في تلة “ميشتانور”، وبلدة “صرين”، ومصنع “لافارج” الفرنسي للأسمنت، في قرية “خراب عشق”، في ريف حلب شمالي سوريا، و”عين عيسى” في ريف الرقة، بالإضافة إلى 30 جنديا في مدينة الرقة، كما أوردت وكالة فرانس برس.

يذكر أنه في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2018، قال وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو، “ليس سرا أن فرنسا تدعم وحدات حماية الشعب الكردية”، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التقى ممثليهم”.

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل حاسم أنه “لن تنكسر عزيمتنا في سحق التنظيمات الإرهابية رغم الذين يقودون ناصيتها من محاور الشر” في إشارة إلى بعض الدول الأوروبية التي تدعم التنظيمات الكردية الإرهابية شمالي سوريا.

وخاطب أردوغان دول أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو): “هل تركيا عضو في حلف الناتو؟ نعم. وهل بلدان الاتحاد الأوروبي جميعها تقريبا أعضاء في الناتو؟ نعم.. إذا منذ متى يتم الدفاع عن التنظيمات الإرهابية ضد عضو في الناتو”، في إشارة إلى الدور الفرنسي المشبوه.

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قالت وزارة الخارجية التركية في بيان: “يتضح جيدا أن فرنسا التي تحاول إقامة دويلة إرهابية في سوريا، اتخذت هذا القرار نتيجة خيبة أمل أصيبت بها (جراء عملية نبع السلام)”، وذلك اعتراضا على الموقف الفرنسي الداعم للتنظيمات الكردية، والمندد بالعملية التركية في الشمال السوري.

وأشار إلى أن “حكومة الفرنسيين أثبتت للعالم مرة أخرى أنها تقف بجانب تنظيمات (بي كا كا/ ي ب ج)، المصنفتان كمنظمات إرهابية لدى الاتحاد الأوروبي”.

وأوضح البيان، أن “موقف البرلمان الفرنسي لم يثر دهشة تركيا، خاصة أن قصر الإليزيه وعلى أعلى المستويات يستقبل الإرهابيين”.

وأطلقت تركيا “نبع السلام” في 9 أكتوبر/ تشرين أول 2019، شمالي سوريا، استنادا لحقها الشرعي في الدفاع عن النفس، بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وبهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن حدودها، خاصة تنظيم بي كا كا/ي ب ك (غير اسمه لاحقا إلى قوات سوريا الديمقراطية “قسد”).

وفي اليوم نفسه، كتب الرئيس أردوغان، عبر موقع “تويتر”، أن القوات المسلحة التركية بدأت عملية “نبع السلام” بمشاركة الجيش الوطني السوري، ضد تنظيم ي ب ك/ بي كا كا، و”تنظيم الدولة” شمالي سوريا.

كما استهدفت العملية، تدمير الممر، الذي حاول الإرهابيون إقامته، على الحدود الجنوبية لتركيا، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة.

“موت دماغي”

عندما أصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قرار في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بانسحاب نحو 2000 عسكري أميركي منتشرين في سوريا يقاتلون إلى جانب تحالف عربي كردي تهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردية، رحبت أنقرة بذلك القرار.

على الجانب الآخر أعرب ماكرون عن “أسفه العميق” للانسحاب الأميركي معتبرا أن الحليف “يجب أن يكون موثوقا”، وشدد أن بلاده تبقى منخرطة في التحالف الدولي، رغم الانسحاب المعلن للقوات الأميركية من سوريا.

وقتها انتقد ماكرون في الوقت ذاته العملية العسكرية التركية في الشمال السوري، وكذلك دور حلف شمال الأطلسي “ناتو” الذي سمح لتركيا (أحد أعضائه) بهذه العملية، ووصف الرئيس الفرنسي الحلف بأنه في “حالة موت دماغي”.

أردوغان رد على ماكرون بقوة وقال في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019: “عليك قبل أي شيء أن تفحص موتك الدماغي أنت نفسك. هذه التصريحات لا تليق سوى بأمثالك الذين هم في حالة موت دماغي”.

فيما صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قائلا: “إنه (ماكرون) بالفعل الراعي للمنظمة الإرهابية (وحدات حماية الشعب الكردية) ويستضيفهم باستمرار في قصر الإليزيه.. إذا قال إن حليفه هو المنظمة الإرهابية، فليس هناك ما يقال أكثر بالفعل”.

حد التراشق

إستراتيجية فرنسا لترسيخ قدمها في سوريا، عبر دعم وحدات حماية الشعب الكردية، من أجل استخدام هذه الورقة لإحداث توازن ضد القوى المنافسة لها على رأسهم تركيا التي تلعب دورا مناهضا لفرنسا في ليبيا وسوريا وعدة جبهات أخرى، تسببت في كثير من التراشقات والأزمات.

ومن أبرز هذه المواقف ما حدث في أبريل/ نيسان 2019، خلال ندوة “روز – روث” الـ99 للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي “ناتو”، والاجتماع المشترك لمجموعة البحر المتوسط والشرق الأوسط في مدينة أنطاليا جنوبي تركيا.

ساعتها هاجمت البرلمانية الفرنسية عن حزب الجمهورية إلى الأمام، صونيا كريمي، أنقرة معبرة عن صدمتها جراء المواقف التركية المتعلقة بمذابح الأرمن، وتطرقت إلى قضية المنظمات الكردية قائلة: “منظمة بي كا كا هي إرهابية بالنسبة لهم وليست كذلك بالنسبة لدول أخرى (قاصدة فرنسا)”.

حينها تلقت النائبة الفرنسية هجوما حادا من تشاووش أوغلو، الذي قال: “الدول التي على شاكلة فرنسا متعودة على نصب نفسها زعيمة، وانتقاد وإذلال الدول الأخرى، واتخاذ القرارات التي تشاؤها، وبالتالي من الطبيعي أنها ستصدم عندما تتعرض لانتقاد من طرف تركيا أو دولة أخرى”.

وأضاف “فلينظر (ماكرون) إلى تاريخه المظلم أولا، مضى ربع قرن منذ حدوث الإبادة الجماعية في رواندا والجزائر التي ارتكبتها فرنسا”.

لم تقف فرنسا عند حد الدعم السياسي والعسكري للانفصاليين الأكراد، بل وصل إلى إرساء مبادئ تعليمية وثقافية، ففي سبتمبر/ آب 2020، أدرجت الحكومة الفرنسية، ما وصفته بمقاومة وحدات حماية الشعب الكردية “ي ب ج” كدرس في التاريخ يتم دراسته ضمن المناهج الفرنسية.

وقد تضمن كتاب مدرسي إضافي تم إعداده لدروس التاريخ في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية في فرنسا، قسما خاصا بمقاومة وحدات حماية الشعب، تحت عنوان “الأكراد أمة بلا دولة”.

تلك الخطوات أزعجت تركيا، وتصدرت وسائل الإعلام المحلية والرسمية، التي وصفت باريس والرئيس الفرنسي بأنهم “يدعمون الإرهاب ضد تركيا”.

نهج قديم

وفي 11 سبتمبر/ أيلول 2020، نشرت وكالة الأناضول التركية “حكومية” مقال لـ عضو الهيئة التدريسية بجامعة “حاجي بيرم ولي” التركية، البروفسور نائل ألكان، تحدث فيه عن تاريخ الأزمات بين السياسة التركية والفرنسية.

بيرم ولي قال إن “خلفية الأزمة الحالية بين فرنسا وتركيا تكمن في رغبة باريس بأن تكون الدولة الرائدة في العلاقات الدولية وخاصة في الاتحاد الأوروبي، وأن تفرض سيطرتها في حوض البحر المتوسط”.

الأكاديمي التركي أكد أنه “بدأت المسألة الكردية تشكل عنصر توتر جديد مع تقديم باريس الدعم لحزب العمال الكردستاني، خلال فترة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران (1981-1995)، والدعم الذي تقدمه فرنسا اليوم في عهد ماكرون لتنظيم بي كا كا وي ب ج في سوريا، فاقم التوترات بين البلدين”.

وأضاف أن “التوتر تصاعد مع إصرار فرنسا على مواصلة ذلك النوع من الدعم، وفتح أراضيها لتكون ملاذا لعناصر المنظمة الإرهابية، دون أن تكون لها أي سياسة للتعامل مع القضية الكردية في العراق أو إيران”.

وأردف ألكان أن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر تلك السياسة، يواصل اتباع نهج من سبقوه من رؤساء فرنسا، تجاه تركيا، وخلق مشاكل جديدة تضاف إلى ملف التوترات بين باريس وأنقرة”.

وأضاف أن “ماكرون من خلال ذلك الضغط على تركيا يهدف لجعل فرنسا في موقع صناعة القرار في العلاقات الدولية منذ تولي منصبه عام 2017، والوصول إلى موقع الدولة المهيمنة على القضايا الإقليمية داخل الاتحاد الأوروبي وفي حوض المتوسط”.

 

المصدر :صحيفة الاستقلال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى