تقارير

فرص التقارب التركي الأمريكي وانعكاساته على علاقات أنقرة وموسكو

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

في ضوء لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الأمريكي جو بايدن، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي الـ”ناتو” التي عقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل، في 14 من حزيران/يونيو 2021، ووصف اللقاء بـ”الودي“، رجح خبراء أن العلاقات التركية الأمريكية، قد تشهد انفراجة قريبة وتعاونا في عدد من الملفات في المنطقة، الأمر الذي تخشى روسيا أن يضر بمصالحها، خاصة تلك التي تنسق بشأنها مع تركيا.

لجم روسيا عبر تركيا

تطرق أردوغان خلال لقائه بايدن، لعدد من الملفات الخلافية بين أنقرة وواشنطن والتي تتراوح بين دعم الولايات المتحدة لتنظيمي PKK و”غولن” الإرهابيين، وشراء تركيا العضو في الـ”ناتو” لأنظمة دفاع جوية روسية الصنع، فضلا عن العمل والتنسيق على عدد من ملفات المنطقة خاصة في سوريا وليبيا وأذربيجان، حسب تصريحات الزعيمين.

وعادة ما تأخذ التصريحات أبعادها من طبيعة اللقاء ومناسبته، خاصة عندما يكون التصريح على هامش قمة حلف شمال الأطلسي فذلك يعني أن الأمر متعلق باستراتيجيات أمنية عالمية.

أقرأ أيضا :بايدن-أردوغان.. الملف العقدة لا يزال قائمًا

والرسائل المنبثقة عن تصريحات الزعماء أعضاء الحلف تقرأ من هذه الزاوية، حسب الكاتب والإعلامي العراقي، الدكتور أيمن خالد.

وقال خالد ، إنه “وفق ذلك نعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية ومثلها روسيا، يدرك كل منهما أن تركيا تمثل كفة الترجيح في معادلة الهيمنة الاستراتيجية سواء في منطقة الشرق الأوسط وحتى في أوروبا”.

وأضاف أن “ملفات الخلاف الأمريكي الروسي هي تلك المتعلقة باقتصاديات المنطقة التي تمثل الطاقة وبوابات التصدير العالمي الجزء الأكبر منها، حيث يرى الطرفان أن تركيا عاملا مقررا في الترجيح”.

وأردف خالد “يرافق ذلك إدراك الطرفين (أمريكا وروسيا) أن تركيا تمتلك أدوات مشروعها المستقل في هذا الجانب، وأن القرار التركي لا يخضع كثير لاستجابات مصالح الغرب على مصالحها الداخلية وذلك يتبع امتلاك قوة القرار الديمقراطي لما تتمتع به تركيا في إدارة شؤون الدولة”.

وتابع “كذلك تدرك الولايات المتحدة أن مفاتيح السيطرة على روسيا التي وصفها (بايدن) بالخصم القوي يمر عبر طبيعة العلاقات مع تركيا”.

وواصل “لذلك يحاول الرئيس الأمريكي مجبرا القبول بشروط الحليف التركي القوي ضمن دائرة حلف الأطلسي واستثمار بنود هذا الاتفاق القديم على حساب معاهدات التقارب التركي الروسي الذي جاء استجابة للأحداث الدائرة ضمن حدود الجوار التركي البرية والبحرية”، موضحا “نقصد هنا الملفات الضاغطة التي تمثل تركيا العامل المشترك فيها إقليميا ودوليا وهي (سوريا، ليبيا، أذربيجان)”.

ولفت خالد أن “هذه الملفات الثلاثة تضم عددا من الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تنظم طبيعة علاقة الجانب التركي فيها”.

وأشار خالد إلى أن “أكثر ما يحدد طبيعة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مع تركيا، هو الظهور التركي إلى مسرح الأحداث في الملفات الثلاثة، ظهورا يدعمه الموقف القانوني الدولي المستند إلى أحكام ومواثيق تلك المعاهدات والاتفاقات الأمنية سواء في الملف السوري وقضايا الحدود والمناطق الأمنية”.

وزاد “وكذلك في الملف الليبي وطبيعة الاتفاقات الشرعية ضمن القواعد المحددة للجوار البحري ومجموع المصالح المتعلقة بين الطرفين أو الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى ولا تخرج طبيعة العلاقة التركية الأذرية عن هذا الوصف”.

وأعرب خالد عن اعتقاده أنه “سيكون هناك مزيد من التنازلات الأمريكية لصالح تركيا، مع توجس روسي حتما من طبيعة هذا التوجه الأمريكي تجاه تركيا”، لافتا إلى أن “تركيا تحاول استثمار حاجة الطرفين الأمريكي والروسي لموقفها المرجح وهي التي خبرت حسن اختيار الموقف واتخاذ القرار في الوقت المناسب”.

وبيّن خالد أن “تركيا نجحت في إدارة ملفات سوريا، ليبيا، وأذربيجان، في ظروف كانت أصعب عليها من الآن”، موضحا أن “ذلك يعني القدرة التركية على الحفاظ على توازن موقفها داخليا باتخاذ القرار الصحيح في تحديد علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية واستثمار هذا التقارب ولو كان قلقا”.

استقطاب أنقرة 

أشار بايدن في تصريحات حول لقائه الأول مع أردوغان، إلى أنه “كان اجتماعا جيدا للغاية”، فيما قال أردوغان إن اللقاء “كان مثمرا جدا”.

ولفت أردوغان إلى أن “الاجتماع بحث العديد من القضايا بين تركيا والولايات المتحدة وسيكون هناك خطوات في المستقبل من أجل تحسين العلاقات”.

إلا أن بايدن اعترف عقب قمة الـ”ناتو”، أنه يواجه “خصما قويا”، في إشارة إلى بوتين.

ومع ذلك أبدى استعداده للتعاون مع موسكو إذا اختارت روسيا ذلك، لكنه تعهد بالرد على “الأنشطة الضارة” التي يقوم بها الجانب الروسي.

وعلى الرغم الآمال الكبيرة التي كانت معلقة على اجتماع أردوغان وبايدن على هامش قمة الـ”ناتو” في بروكسل، إلا أنها لم تحقق خرقا حقيقيا ملموسا في العلاقات المتوترة بين الطرفين، بحسب الصحفي اللبناني، صهيب جوهر.

وقال جوهر في تقييم لفرص التقارب التركي الأمريكي خلال حديثه مع “وكالة أنباء تركيا”، إن “العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة لم تحقق خرقا حقيقيا ملموسا سوى التأكيد على أهمية العلاقة التي تعتبر ممر إلزامياً في المنطقة وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة وتقويتها واستمرار لقاء الوفود بعد انقطاع تواصل مؤسساتي شهدته العلاقة بين الجانبين منذ تولي بايدن السلطة في الولايات المتحدة، لكن دون إحراز تقدم في مواضيع أخرى”.

إلا أن جوهر أوضح أن “الجانبين يريدان تحقيق تقدّم في مستوى العلاقة بينهما وإيجاد حلول لمختلف الأزمات، إذ إن تركيا شريك رئيسي للولايات المتحدة في المنطقة وعضو في الـ(ناتو) لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة أن أصوات تعلو في الإدارة الأميركية تطالب بضرورة إعادة استقطاب أنقرة وإبقائها في صفوف الحلفاء كي لا تجد موسكو لحظة للاستفادة من عقد تحالف متين مع الأتراك”.

وأضاف “في المقابل، فإن أنقرة تحرص على بقائها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة إلا أنها ورغم التوتر مع الأميركيين في ملفات مهمة وتحديداً دعم المجموعات الانفصالية في سوريا، لا تحبّذ أن تتحول لشريك لموسكو، بل فقط ندية في العلاقة وتعاون في ملفات مشتركة لا أكثر”.

وحول انعكاس أي تقارب تركي – أميركي على العديد من القضايا التي تنسق فيها تركيا مع روسيا كأذربيجان، سوريا، وليبيا، قال جوهر إن “أنقرة كانت ومن خلال أدائها الدبلوماسي قادرة في عهد دونالد ترمب ومن قبله باراك أوباما على صياغة تفاهمات مع موسكو وواشنطن تحت شعار واضح (المصالح التركية تسابق أي علاقة أو تحالف)”.

ولفت إلى أن “القمة التي جمعت بايدن مع نظيره الروسي بوتين ستحدد كذلك شكل المرحلة المقبلة وما يمكن الذهاب إليه في مناطق النزاع الإقليمي التي تشكل تركيا أساس له خاصة في سوريا وليبيا”.

فيما أجمع عدد من المحللين السياسيين المهتمين بالشأن التركي والدولي أن “وجود مشاكل خطيرة للغاية في العلاقات التركية الأمريكية لا يمثل سببا لقيام القيادة التركية بقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة، لأن ذلك سيسمح بالتوجه نحو مراكز القوة البديلة في العالم، بما في ذلك روسيا”، لافتين إلى أن “البراعة في الحفاظ على توازن دائم في الساحة الدولية مع الحفاظ في الوقت نفسه على مكانتها كدولة مهمة لكثير من اللاعبين الأجانب، تعد ميزة أساسية لتركيا التي لن تتخلى عن هذه السياسة”.

أنقرة _ ترك ميديا

المصدر : أنباء تركيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى