تقارير

في ذكرى الانقلاب الفاشل.. تزايد الإنجازات التركية داخليا وإقليميا

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

تطوُّر مفهوم العلمانية وتعارُضُه مع الدين كان من أهم الأُسُس التي صحَّحها ووضع لَبِناتِها الأولى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بِاعتبار أنَّ العلمانية لا تعارض الإسلام بل تسمح فقط بالحقوق الديمقراطية والحريات لكلِّ أفراد الشعب، وهو بذلك سهّل صعوبة ما ضيَّعه العرب بالجَمْع أو الربط بين الإسلام والعلمانية، بقوله إنَّ الأفراد لا يمكن أن يكونوا علمانيين بل الدولة تكون علمانية، وهي تعني التسامح مع المعتقدات كافة والوقوف على مسافة واحدة من الأديان كافة وهذا لا يخالف الإسلام أبداً بل هو في صُلْب العقيدة.

كاريزما سياسية

وعليه، يمكننا القول إنه ربَّما وفي أحايين كثيرة كانت نهضة العديد من الأمم والدول والشعوب مرتبطة بأسماء وشخصيات شكَّلت مصدراً وإلهاماً، حيث يُعَدّ الرئيس أردوغان واحداً من أبرز القيادات السياسية في التاريخ الحديث كصاحب كاريزما من خلال مواقفه الشجاعة والقوية وخطاباته الحماسية والتأثير على الجماهير والاعتزاز بتاريخ تركيا، وأحد الذين نقلوها على الدوام إلى أماكن آمنة، بالرغم من التحديات الداخلية والخارجية التي واجهها ومعه  بطبيعة الحال حزب العدالة والتنمية.

الرئيس أردوغان لديه فهمٌ عميقٌ للواقع السياسي التركي وتعقيداته والطابع الديمقراطي المحافظ، وفي إصراره على الانفتاح أمام الجميع لتحقيق المشروع الوطنيّ الناهض الذي ينقذ تركيا من عثراتها الاقتصادية والسياسية.

أقرأ أيضا : “وقت الشفق”.. فيلم يروي ملحمة الشعب التركي ضد الانقلابيين

لقد واجه أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ الوصول إلى السلطة تحدّياتٍ داخلية بسبب التركة الاقتصادية والديون الكبيرة التي وضعت البلاد على شفير الإفلاس، والتحديات السياسية المتعلِّقة بنفوذ الجيش ومعه الأحزاب العلمانية، تُضاف إليها مشكلة الأكراد في الداخل والخارج التركي، هذا عدا عن التحديات الخارجية مع الاتحاد الأوروبي والتطورات المتسارعة في الإقليم والتدخلات الخارجية للدول الكبرى وأزمات الجيران.

ورغم ذلك، فقد نجح أردوغان في نقل تركيا إلى اقتصادٍ آمن ومستقرّ، بانياً السياسة الخارجية بحسب مفهوم العلاقات الدولية: على الندية والمصالح المشتركة بين الدول، وهو ما أعطى أنقرة البُعد الإنسانيّ في تمدُّدها الحيويّ في الإقليم.

إنجازات اقتصادية

لقد قاد كلٌّ من الوَعْي والانفتاح اللَّذين عزَّزتهما قيادة العدالة والتنمية في المجتمع التركي، إلى النهوض والتقدم، وكذلك تعزيز قِيَم الحرية والمساواة والعدالة بين المواطنين وسيادة القانون وهو الأهم، حيث إنَّ السير في طريق وسط بين العلمانية والإسلام والتزاوج بينهما وتجنُّب الصدام مع المؤسسة العسكرية، أكْسب الرئيس أردوغان شعبيةً كبيرة وسهّل عملية التنمية سريعاً كونه تظلّل بحاضنة وبيئة جماهيرية حصّنته في الداخل وأطلقت يده في السياسة الخارجية.

وقد تم ذلك عبر خُطط ومشاريع مستقبلية واعدة، في قيادات جديدة وشابّة نجحت في خدمة الناس ونفَّذت مشروعات تنموية على كامل الجغرافيا التركية. فشكَّل ذلك إلهاماً للشعوب العربية من أجل النهوض ببلادها من خلال قيادات واعية ومثقّفة تدرك التحديات وتخطّط للمستقبل، وتَعِي بما هو متغيِّر ومستجد وتتمتّع بالحِسّ الوطني للنهوض بالبلد ودفعه إلى الأمام.

فالرئيس أردوغان أثبت وعلى مدى سنوات أنه شخصية سياسية تعمل على تعزيز مصلحة البلاد والشعب التركي، فهو حقَّق نجاحات كبيرة على المستويات كافة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعزَّز من مكانة  تركيا الإقليمية الدولية.

وقد وصل حجم التجارة التركية في ظلّ حكم العدالة والتنمية إلى أكثر من 840 مليار دولار، بعد أن كان في عام 2002 لا يتجاوز الـ 250 مليار، كما تضاعف دخل الفرد القومي من 3000 دولار أميركي إلى 11 ألف دولار.

وكل ذلك إلى جانب تطوّر التصنيع العسكري والطائرات من دون طيار وصناعات الألبسة والإلكترونيات والعمل على التعليم والصحة وتطوير الجامعات والقضاء على البطالة التي حطَّت عند أعتاب 2% بعد أن تجاوزت الــ35%.

كما ارتفع حجم الصادرات إلى 155 مليار دولار أميركي، وتمّ تعزيز قيمة الليرة التركية، مع افتتاح أكثر من 30 مطاراً على الأراضي التركية. فصارت تركيا اليوم الرقم الاقتصاديّ العالميّ الصعب والدولة السادسة عشرة في ترتيب الدول على مستوى العالم الاقتصادي في مجموعة العشرين، وتحتلّ مدينة إسطنبول مرتبة متقدّمة كأكثر المدن تأثيراً على مستوى العالم.

العملية السياسية

شعبية حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم في تزايد، وتزداد معه ثقة الشعب التركي فيه وفي إنجازاته بقيادة أردوغان، الذي نال ثقةَ شعبه في انتخاباتٍ ديمقراطية وثقةَ برلمان بلده، وحين حدث الانقلاب عليه في 15 تموز/يوليو 2016، كانت المعارضة بكلّ أحزابها أول المدافعين عنه، ووقفوا ضدَّ انقلاب عسكري دبَّرته جهاتٌ تركية معارضة لأردوغان وبتعاون مع استخبارات دولية.

فيما ظهر بأنَّ هناك عقدة دُونية لدى الغرب الأوروبيّ والأميركيّ من ظهور تركيا كقوةٍ إقليميةٍ وازنة، لديها الاستقلال الاقتصاديّ الذي هو في الواقع الاستقلال الحقيقي للشعوب، ولديها القرار السياسيّ السيادي الحُر، ولديها موقعها الجيوسياسيّ الذي وسَّع من عملية تحالفاتها وربطَ الدولة بمروحةٍ واسعة من العلاقات والتبادلات وإنشاء المشاريع الاقتصادية والتنموية وإبراز ثقافة الشعب التركيّ وتفاعله الاجتماعي مع محيطة العربيّ والإسلاميّ والغربيّ والشرقي، وتعميم قوّتها الناعمة على مختلف شعوب المنطقة.

وكذلك إظهار البُنى الفوقية لتركيا من فن وثقافة ومسرح وموسيقى وشعر، فاكتسحتْ وجدانيات الشعوب العربية والإسلامية واستوطنت في ذاكرتها، وشكلت نموذجاً حيًّا من الوعي السياسيّ في العمل الديمقراطي وبناء الدول  وفي تداول السلطة وقبول الآخر والاعتراف به، وتعزيز قِيَم العلمانية ودور الجيش في حماية هذه القِيَم دون الدخول إلى المسرح السياسيّ والعَبث به.

وبدل أن تكون تركيا جسراً أو ممرّا أو معبرا بين الشرق والغرب تتلقَّى الارتدادات بسالبيّتها وانعكاساتها على الشعب التركي، صارت فاعلاً وصانعاً لــ/ ومؤثراً في/ السياسات الدولية والإقليمية لرسم حدود قوّتها ومداها الحيوي.

خاصة أنّ الأفول أو الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يترك فراغاً استراتيجياً كبيراً لا بدَّ من مَلئِه، حيث تظهَّر هذا الدور مؤخراً في أفغانستان والحاجة إلى الدور التركيّ في هذا البلد المتشقِّق.

واليوم يبدو أن هناك سياساتٍ تقاربية جديدة بين أنقرة وكلٍّ من مصر والسعودية وهي في تطوّر مستمر، توازياً مع تثبيت قواعد النظام الإقليميّ الذي يسير بطيئا نظرا لتعقيدات الصراع في المنطقة.

وفي اللقاء الأخير الذي يبدو أنه نجح وفق المعطيات السياسية بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن بسبب أولويات السياسة الأمريكية الحالية بمواجهة التحدي الإستراتيجيّ الذي تمثّله الصين والسياسات الاستفزازية التي يقوم بها بوتين عبر العالم بحسب تقديرات واشنطن، حيث استطاع الرئيسان رسمَ معادلاتٍ جديدة في إعادة صياغة العلاقة بين البلدين والكفّ نهائياً عن التململ الأميركي بِانتزاع موافقة وقبول حول صواريخ S-400 واعتبارها صارت واقعاً ولا يمكن الرجوع عنها.

كما تمّت إعادة النظر في عودة تركيا إلى برنامج طائرات F-35 ، وكذلك التأكيد على أن مكامن غاز شرقي المتوسط الحالية هي خارج المياه الإقليمية التركية ولذلك تتوجّب إعادة تفعيل وتدوير للعلاقة مع دول حوض المتوسط ومع اليونان.

السياسة الإقليمية

أمّا على مستوى مِلفات السياسة الإقليمية المتشابكة، فقد وجدت واشنطن أن حاجتها لأنقرة كبيرة في إغلاق العديد من القضايا عقب انسحابها من الشرق الأوسط، وهذا الأمر ليس سهلا ويتطلّب من تركيا القيام بدور إقليمي كبير ووازن، منها ما هو متقارب مع أميركا كالمِلَف السوري وطريقة الحل في دمشق باستثناء الدور (الكردي) شرقي الفرات، حيث الوجود التركي في سوريا يُشكّل “نقزة” دائمة لروسيا وإيران كونه على تباين في النظر لطبيعة المشكلة السورية وأسلوب حلّها.

وكذلك الدور التركي في ليبيا والحاجة الأميركية إليه، ودعم أذربيجان بعد إلحاق الهزيمة بالقوات الأرمينية وإقامة شراكة استراتيجية مع أوكرانيا وتعاون عسكري وتبادل للخبرات بين البلدين.

تظهر تركيا اليوم حكومةً ومعارضة صلبةً قويةً في الحفاظ على دورها الإقليميّ، هذا الدور الذي اشتغلت عليه وكرَّسته يوماً بعد يوم، ترافق مع التأكيد على القرار السياسيّ الموحَّد والمصلحة المشتركة العليا لأبناء الشعب التركي والذي يترجم على أرض الواقع تنمية وتطور داخليين، وعلاقات خارجية لضبط التوازنات في الإقليم ونقطة جذب جيوسياسية جعل العالم كلّه يتطلّع إلى تركيا كحاجةٍ ومطلبٍ في الاستقرار الدائم.

وهذا ما لن يتخلّى عنه الشعب التركيّ في هذه المكانة والدور والقوة، ولهذا  وقفت الأحزاب التركية المعارضة ضد الانقلاب الفاشل عام 2016 معلنة رفضها له، وهو ما وحَّد الموقف الدوليّ الرافض لهذا الانقلاب على الشرعية، انطلاقاً من الحرص على الحفاظ على الديمقراطية ومنع الفوضى والاقتتال، سيما وأن تركيا دولةٌ مهمّة للجميع، وهنا مَكْمَن القوة.

إسطنبول _ ترك ميديا

المصدر : أنباء تركيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى