مقالات

الميزانية العامة لعشر سنوات على الربيع العربي: أصدقاء الديمقراطية وخصومها

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

الميزانية العامة لعشر سنوات على الربيع العربي: أصدقاء الديمقراطية وخصومها

ترك ميديا

الكاتب: ياسين اقطاي

على الرغم من مضي عشر سنوات على الربيع العربي، الذي تحوّل إلى شتاء في بعض البلدان، أو حُكم عليه بمواجهة الثورات المضادة أو قُطع الطريق أمامه، إلا أنه لا يزال بمثابة عملية مستمرة ومتواصلة. حيث أنّ رياح التغيير التي بدأت تهب منذ 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، لا تزال مستمرة بتوجيه عواصفها نحو كل بقعة وبلد حول العالم الإسلامي وتؤثّر فيه.

إن عملية التغيير بطبيعتها لا يمكن اختصارها بثورة تنطلق في بلد ما لبضعة أيام ومن ثمّ تنتهي، ولا يمكن تصوّر إمكانية القضاء عليها وعلى قاعدتها الاجتماعية من خلال انقلابات مضادة.

وبناء على عملية التغيير هذه في الحقيقة يمكننا رصد الأوضاع السياسية والاجتماعية سواء في العالم العربي أو الإسلامي برمته، كما يمكننا التوصل لحقائق ومعلومات حول أوضاع جميع اللاعبين الدوليين والقوى الدولية، من خلال النظر إلى مواقعهم ومواقفهم ضدّ هذه العملية.

كما ذكرنا سابقًا، فإنّ هذه العملية قد خلقت أشبه ما يكون بالحرب الباردة عند العديد من البلدان حول العالم، بسبب الحساسيات التي نتجت عن هذه العملية. أما اليوم فإننا نشهد توترات وصراعات نتجت عن نظام الحرب الباردة هذا، في جميع أنحاء العالم. مما شكل خيبة أمل كبيرة في العالم الإسلامي إزاء جدّية وصلاحية الخطابات التي كانت مهيمنة بغطرسة منذ القرن التاسع عشر تجثم فوق ظهر العالم الإسلامي لترسيخ قواعد الاستعمار، تحت عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.

مما بدا واضحًا أنّ ما يُسمّى بالقيم الغربية، لم تصدر لتطبيقها من قبل دول الغرب نحو كلّ بلاد العالم، بل لتطبيقها في بلاد الغرب فحسب، دون أيّ جانب عالمي تحظى به. والدليل على ذلك أنّ مسلمي العالم العربي الذين خرجوا يطالبون بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعيش الكريم، لم يخرج في مواجهتهم إلا الديكتاتوريون الذين يسندون ظهورهم إلى الغرب.

حينما انطلقت أولى موجات الربيع العربي شهدنا ردة فعل استحسان من قبل الرأي العام الغربي، حيث تعامل مع وقع تلك الموجات على أنها بمثابة فتح تمّ على يد القيم والعقلية الغربية في العالم العربي، وليس هناك شيء يدعو للقلق، فالأمر في النهاية عبارة عن أنّ العرب قد اكتشفوا مكنون القيم الغربية وسلّموا لها مؤمنين. إلا أنّ القضية بالنسبة للشعوب العربية التي عاشت في ظل حقبة استعمارية واستبدادية لا إنسانية على مدار قرن من الزمن، لم تكن تشكل لهم مفاهيم مثل الخبز والكرامة والحرية والعدالة والعيش الكريم أيَّ جانب غربيًّا كان أو شرقيًّا. وربما فضّلوا عدم الدخول في ظل ذلك الوقت الذي نشبت فيه ثوراتهم، في الحديث حول الحقبة الاستعمارية، إلا أنهم في الوقت ذاته كانوا مدركين تمامًا أنّ فقدانهم لهذه القيم ليس سوى نتيجة للحكم الاستعماري الغربي الذي كان يجثم فوق صدروهم طيلة القرن الماضي. ربما هذه الحقائق بعيدة عن ذهن الرأي العام الغربي الذي يغفو على سرد تلك الأكاذيب، إلا أنها في النهاية ليست غائبة أو مجهولة بالنسبة لحكام الغرب وحكوماته.

أما أولئك الذين ليس لهم شأن سوى المسلمين وملاحقتهم تحت عنوان “الإسلام والديمقراطية”، ومساءلتهم “لماذا الإسلام ليس منسجمًا مع الديمقراطية؟”، نجد أنهم قد أُسقط في أيديهم تمامًا حينما رأوا أنّ أسمى مطالب الديمقراطية تصدر من قبل المسلمين. وبدؤوا يفكرون فيما لو كانت الديمقراطية مناسبة حقًّا للشعوب الإسلامية؟ أو لنقل أنها مناسبة، ولكن ماذا لو جاءت حكومات ديمقراطية على سدّة الحكم في البلاد الإسلامية، فكيف عسانا أن نقودهم بسهولة مثل قبل؟

ربما تبدو هذه الأسئلة وكأنها تلفيق يتمّ إلصاقه على العقلية الغربية، إلا أنّنا حينما ننظر إلى العقلية الغربية المتفقة سواء مع محاولة الانقلاب في تركيا، أو نماذج الانقلاب في كل من مصر وليبيا، نجد أنّ هذه الأسئلة تلخيصًا حقيقيًّا لمضمون العقلية الغربية.

في مصر على سبيل المثال، لم يتمكن الغرب من تسمية الانقلاب العسكري الغاشم والدموي الذي أطاح بأول رئيس منتخب من قبل الشعب ضمن انتخابات نزيهة للمرة الأولى في تاريخ مصر، بعد أقل من سنة من انتخابه، بزعم أنه قد فشل. بل وعلى الرغم من كلّ ما قام به الانقلابيون من قتل تعسفي واعتقالات وتعذيب وتنكيل، فإن الغرب لم يُلق بالًا للأمر، بل بدا وكأنه يكافئ الانقلابيين بالجوائز.

أما في ليبيا، فلم تتورع فرنسا التي تزعم أنها مهد الديمقراطية الغربية، عن دعم بل والاشتراك مع مجرم حرب مثل حفتر، الذي قام بانقلاب ضدّ الحكومة الشرعية في ليبيا، وارتكب شتّى المجازر والجرائم ضد الإنسانية.

كذلك الأمر في تركيا، حيث دعموا بطريقة أو بأخرى كل محاولات الانقلاب التي تمت على يد منظمة غولن الإرهابية. وفي المقابل كانوا مكفوفين أصمّاء عن ملحمة الديمقراطية التي جسدها الشعب التركي ليلة 15 يوليو/تموز. بيد أن التضحيات والبسالة التي مثلها هذا الشعب في الدفاع عن الديمقراطية، شكلت نموذجًا غير مسبوق حتى في أوروبا ذاتها، يستحق تسيطره في صفحات من ذهب، لكن مع ذلك فضّل الأوربيون غض طرفهم عن ذلك وكأن شيئًا لم يحصل.

لم ينته الأمر عند ذلك فحسب، بل تحول الغربيون إلى حماة للانقلابيين الفارّين وداعميهم عقب الانقلاب الفاشل، بل وكانوا ولا يزالون يقدمون لهم كافة أنواع الدعم اللوجستي والسياسي والمالي، للنيل من تركيا بل ومن الديمقراطية كذلك.

وبناء على كل ما سبق، يمكن القول أن إحدى أهم ثورات الربيع العربي، هي دحض نظرية عالمية القيم الغربية. كما أن الربيع العربي تمكن من إنهاء التفوق الأخلاقي للغرب فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لقد أثبت الربيع العربي أنّ الأعداء الحقيقيين لامتلاك العالم الإسلامي للديمقراطية، ليسوا المسلمين ولا الثقافة الإسلامية ولا القوى المحلية، بل إنّ العدو الحقيقي لذلك هو الغرب وعمّاله في هذه البلاد الذين يرون الديمقراطية على المسلمين شيئًا زائدًا.

لو تذكرون حينما رفض البرلمان التركي في مطلع مارس/آذار 2003، مشروع قرار يقضي بنشر القوات الأمريكية المتوجهة نحو العراق داخل البلاد وإرسال قوات أجنبية إلى هناك، في ذلك الوقت صدرت عناوين صحف أمريكية تتساءل؛ “هل نحن نريد حقًّا الديمقراطية في العالم الإسلامي؟”. نعم ربما تريدون ذلك ولا سيما في تركيا، إلا أنكم لا ترغبون بطبيعة الحال أن يصل مدى ذلك لقول “لا” بوجه الولايات المتحدة.

إذا لم يفعل الربيع العربي شيئًا سوى ذلك، فكفاه أن كشف هذه الحقائق، وبالطبع لا يتوقف الربيع العربي عند ذلك فحسب، ولن يتوقف.

المصدر: يني شفق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى