مقالات

غزل جديد تنسجه منظمة غولن من الولايات المتحدة: “مشروع الديمقراطية”

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

من الطبيعي والحتمي أن يبحث أولئك الذين تعاني بلادهم من مشاكل فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير أو العمل الديمقراطي، عن قنوات أخرى للتعبير عن أنفسهم وإسماع صوتهم للناس. وفي الوقت ذاته تظهر بعض الدول الديمقراطية المتقدمة جودة مختلفة من حيث حرية التعبير التي تمنحها للمعارضين، إلى جانب ما تمنحه من ميزة اللجوء لأولئك الفارّين من انتهاكات حقوق الإنسان والقمع في بلدانهم. وهذا لا يمكن وصفه دائمًا على أنه تدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، بل على العكس حينما يكون هناك اضطهاد يؤذي الضمير لدرجة أنه لا يمكن تجاهله ودون أن يكون له حل؛ فإن الصمت هنا يعتبر ذنبًا فضلًا عن دعم ذلك الظلم.

ولقد أصبحت تركيا الآن منصة معتبرة وحقيقية مع مرور الوقت لأولئك الفارين من فظائع الظلم والاضطهاد في بلدانهم، على مستوى العالم الإسلامي. ومع نحو 5 ملايين لاجئ من أنحاء مختلفة من العالم، تبرز تركيا أيضا على أنها الدولة الأولى في العالم من حيث استقبال اللاجئين.

وبالطبع يمكن أن تتحول قضية تعبير هؤلاء اللاجئين عن علاقاتهم مع بلدانهم والحديث عن الأوضاع في تلك البلاد ومعارضتهم للأوضاع هناك بحد ذاتها إلى أزمة علاقات دولية. لكن ورغم ذلك فإن الدول الديمقراطية المتقدمة دائمًا ما تمنح اللاجئين على هذا الصعيد حقًّا مشروعًا وعادلًا؛ حينما يفقدون حقوق الإنسان والحريات في مكان ما، فلا بد من وجود وسيلة للتعبير بها عن أنفسهم.

أقرأ أيضا : أكثر من مجرد كونه نشيدا.. قصة النشيد التركي الوطني الذي ألفه الشاعر محمد عاكف آرصوي

ربما سمعتم عن تأسيس “جمعية مشروع الديمقراطية التركية” منذ وقت قصير في الولايات المتحدة الأمريكية، بمشاركة أسماء مثل مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، وشقيق الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش والحاكم السابق لولاية فلوريدا، جيب بوش. كذلك الأمريعتبر وزير الخارجية الإيطالي السابق سانت أغاتا أحد مؤسسي هذه الجمعية، إلا أن المهم أن هذه الأسماء هي أسماء استعراضية بالكامل.

بما أنهم لا يمكلون عملًا أو مهمة، فهل سيواجهون الآن المشاكل المتعلقة بتطوير الديمقراطية في تركيا؟

لكن الأهم هو أن الذين وضعوا تلك الأسماء في الواجهة قد وضعوا أنفسهم بين المؤسسين كذلك. أحدهم هو سليمان أوزيرن، المعروف بقربه من فتح الله غولن ومنظمته الإرهابية. والآخر هو النائب السابق عن حزب الشعب الجمهوري أيكان إردمير، الذي لديه مذكرة توقيف في نطاق التحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام في إسطنبول ضد منظمة غولن الإرهابية.

وحسب النظر لهذه الأسماء الواردة أعلاه ندرك أن سبب إنشاء جمعية من هذا النوع في الولايات المتحدة يعتمد على الاستغلال الذي يمثل غريزة داخل أعماق منظمة غولن الإرهابية.

وإلا فهل تركيا دولة يمكن فيها تنفيذ أنشطة مشروع من الخارج من أجل تحويلها إلى الديمقراطية؟ هل عجزت أو نفدت المسارات السياسية الداخلية للديمقراطية في تركيا حتى تحتاج لإنشاء جمعية في الولايات المتحدة الأمريكية؟

بالطبع لا، ولذلك نقول بكل تأكيد أن تركيا بلد يمكن فيه تنظيم جميع أنواع المعارضة والتحزب ضد السلطة والترشح ضدها كذلك، فإنّ المعنى الوحيد لقراءة هذا النوع من “الغزل” من الولايات المتحدة هو التفويض الذي يمكن أن ينشأ عقب انقلاب، لكنه سيُقرأ بكل وقاحة على أنه “ديمقراطية” لا انقلابًا.

إن الطريقة التي تم فيها إنشاء الجمعية وتشكيل قائمة المؤسسين مثال واضح للغاية على أنشطة منظمة غولن الإرهابية عبر المنظمات غير الحكومية.

كانت هناك العديد من الجمعيات والمؤسسات التي أسسوها سابقًا في تركيا تضع أسماء لا علاقة لها بالتنظيم المؤسَّس ذاته، بل إنما فقط من أجل استغلال سمعتها وشرعيتها ومكانتها حتى النهاية. ولهذا السبب تعمدوا الإضرار بسمعة الكثير من الناس خلال ذلك.

نحن نعلم جيدًا أنهم ليسوا مرتاحين للغاية في الولايات المتحدة على صعيد أنشطة الضغط الخاصة بهم، وذلك لأنهم لا يتسمون بالشفافية أبدًا في عملهم ويقومون بمهمات خطيرة. وعلى سبيل المثال، العديد من مدارسهم وجمعياتهم خضعت لتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي مرات عديدة بسبب ذلك، وتعرضوا لعقوبات شديدة.

وفي هذا الصدد دعونا نرى ما ينتظر كلًّا من بولتون وبوش وسانت أغاتا؟. مقابل أية رشاوى سياسية دخلوا في مثل هذه القضية التي لا علاقة لها بجدول أعمالهم؟ هل تركيا تعتبر المكان الأسوأ للديمقراطية والأكثر تخلفا في العالم وخاصة في العالم الإسلامي؛ حتى تحتاج لتأسيس جمعية كهذه؟

هناك عدد من البلدان التي تحكمها انقلابات عسكرية ترعاها الولايات المتحدة نفسها، حيث تُرتكب هناك أطنان من انتهاكات حقوق الإنسان كل يوم. وبينما تتعامل معها بسياسة الوجهين وتغض نظرها واهتمامها عما يجري من اهتمامات، تهرع الآن لإنقاذ الديمقراطية في تركيا، التي تمثل أفضل ديمقراطية في العالم الإسلامي أعجبهم ذلك أم لا!.

في الوقت الحالي هناك بعض دول العالم الإسلامي التي لا يتخلل بينها وبين أنظمة الولايات المتحدة أي فراغ، تقوم باعتقال الناس في زنازين تحت أقسى ظروف التعذيب، دون أي تهمة أو تحقيق أو محاكمة ومن باب أولى دون منحهم حق الدفاع عن النفس. ويتم إعدام السياسيين بشكل جماعي فقط بسبب آرائهم السياسية. وبينما يجري كل ذلك يتمنى المرء أن يسمع كلمة باسم الديمقراطية من أي سياسي أمريكي يشجب أو يدين ما يجري.

لم تنجح الولايات المتحدة حتى الآن على صعيد سياسة تطوير الديمقراطية في الشرق الأوسط في أي شيء إلا في دفع الشرق الأوسط نحو مزيد من الفوضى والحروب والانقلابات والاحتلالات والمجازر وزيادة توطيد الأنظمة الاستبدادية.

لا يمكن لأحد أن يشير لدور أمريكي إيجابي في هذا الصدد، حيث لا يوجد أي دور إيجابي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

بل إن مصطلح “جلب الديمقراطية” تحول إلى كلمة مرور “شيفرة” تمهد الطريق نحو الاحتلال الأمريكي للمنطقة. ولذلك أن تعمد هذه الجهات اليوم لإطلاق “مشروع الديمقراطية في تركيا” وفق هيكلة تنظيمية تتصدرها أسماء ملتصقة بالانقلابات، فهو أمر من الهزلية بمكان لا يجعلك حتى تضحك أو تغضب، حيث لم يعد له أي قيمة تستحق ردة فعل أصلًا.

لكن مع ذلك لو كانت تلك الأسماء الأمريكية تمتلك ولو قدرًا يسيرًا من الشعور بالديمقراطية، فنحن مدينون لها بالتذكير مرة أخرى: أولئك الذين وضعوكم في صدر القائمة ووضعوا أمامكم مشروع الديمقراطية في تركيا، ليسوا سوى مشهورين بمحاولات الانقلاب على الديمقراطية ذاتها والحكومة المنتخبة في تركيا، من خلال المجلس العسكري الذي شكلوه بطرق خبيثة وغادرة. وبعباة أخرى هم أكثر أعداء الديمقراطية، وليسوا سوى مجرمين قتلة ضد أي نوع من أنواع الديمقراطية وإرادة الشعب وفهم الإدارة الشفافة.

جميع الحملات التي شنوها أمام الرأي العام مؤخرًا، عبر ملفات مثل المعتقلين وحقوق التعبير وما يرتبط بذلك من أمثلة ساقوها مؤخرًا؛ جميعها تدور في فلك ردة الفعل الأكثر قانونية وحقوقًا من قبل دول ديمقراطية ضد محاولة انقلاب أردات الإطاحة بها بشكل غير شرعي.

وبالطبع يمكن أن تتخلل بعض الأخطاء إلى هذه الردود القانونية، ومن أجل تصحيح هذه الأخطاء فإن الطرق السياسية والقانونية في تركيا واضحة للغاية، وذات صدر رحب حتى النهاية.

ياسين أقطاي _ ترك ميديا

المصدر : الاناضول 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى