مقالات

مع سليمان صويلو في خمس مدن خلال 24 ساعة

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

“حينما لا تكون منشغلًا بطلب الجاه في السياسة، بل تسعى لوضع بصمتك، فإن أثر خطواتك فوق تراب الأرض التي تعيش فيها؛ ستكون بصمتك التي تتركها من بعدك”، بهذه الكلمات بدأت “إسراء إلونو مقالًا لها عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.

هذه الكلمات تصف بشكل جيد النهج الذي جسده الوزير صويلو خلال تعامله مع كوارث الحرائق المتتالية في ولايات البحر الأبيض المتوسط، وكوارث الفيضانات في ولايات البحر الأسود. لقد أتيحت لي الفرصة أن أرى عن كثب عمله وجهده على الأرض خلال زلزال إلازيغ العام الماضي، وأحسست في ذلك الوقت أنني أرى حق اليقين مدى صعوبة تحقيق نجاحات في ميدان السياسة، ومدى مشقة الطريق لتأسيس مكان صحيح في قلوب الناس.

اقرأ ايضًا: كيف سيفتح أردوغان الطرق التي أغلقها الاتحاد الأوروبي في جزيرة قبرص؟

إن النهج الذي يتبنى السياسة كطريق للخدمة لا للهيمنة، ليس اختراعًا جديدًا في الأصل. إلا أن المسار السياسي الذي حاول فيه البعض الهيمنة على الشعب لسنوات طويلة في تركيا، جعل من السياسة أمرًا مشوهًا ينفر منه الناس. وبدلًا من أن ينظروا للسياسة كثوب من نار يحتّم عليهم مسؤولية ضخمة عليهم رعايتها بإخلاص، نظروا للسياسة والمنصب كفرصة استثمار بائر فاستبدلوا الدولة بأنفسهم، ولا شك أن هذا النهج فصل الدولة عن الشعب وجعل بينهما بونًا شاسعًا.

لطالما كان هذ الحال في تركيا لسنوات، وكلما أمعنوا في التعامل مع السياسة على أنها مغنم لا مغرم، كلما بدوا في عيون أبناء جلدتهم بمثابة رجال دولة غريبة عنهم.

حينما نجح الرئيس رجب طيب أردوغان في قلب هذا المفهوم المسيء رأسًا على عقب، استطاع خلق تحوّل نموذجي في معنى السياسة. لقد نظر للسياسة كخدمة للشعب وليس كوسيلة هيمنة عليهم. وحينما رأى الشعب ذلك لم يتردد في تأييده، ولطالما قدّموا له دعمًا لم يحظ به أي سياسي.

لطالما أسس بينه وبين الناس العديد من الطرق التي يمكن رؤيتها أو لا، وخلال السير في هذه الطرق سيتعب الإنسان ويشعر بالإرهاق، لكنه يشعر بالراحة رغم تعبه، ويشعر بالصحة رغم سقمه. حينما تنظر من بعيد ربما يوحي المشهد بنوع من السلطنة، لكن حينما تنظر عن كثب لن تجد سوى الخدمة والعمل، ولن ترى سلطنة بأي حال، فلا راحة ولا نوم ولا طعام ولا شراب، بل حتى الأنفاس ستكون محسوبة. سترى إنسانًا وهب حياته وجهده ووقته وراحته وأنفاسه للغير، وهبها لخدمة شعبه.

لعل هذه الكلمات تكون التعبير الأكثر إيجازًا لما شاهدته وعاينته خلال مرافقتي للوزير صويلو على مدار 24 ساعة الأسبوع الماضي، بدأت الرحلة من أنقرة نحو مناطق الكوارث في البحر الأسود، مرورًا بشرناق وسيرت، وأخيرًا بالعودة إلى أنقرة.

بعد الانطلاق من العاصمة أنقرة في الصباح عبرنا من سينوب نحو “بوزكورت” التي كانت المحطة الأولى في هذه الرحلة، وخلال سيره لاجتماع مجلس تنسيق الكوارث، كان يتحدث لأصحاب المحال كل على حدة ويستمع لهمومهم ويحاورهم كأصدقاء مضى على صداقتهم أربعون عامًا. كانت هذه العلاقة الحارّة التي أسسها صويلو مع أصحاب المحال والأهالي في بوزكورت تستحق المشاهدة، فلقد مكثب في هذه المنطقة طيلة شهر رفقة وزير البيئة والتطوير العمراني مراد كوروم، ووزير الزراعة والغابات بكر باكدميرلي.

كان يتوجه نحو الاجتماع وقد تبلل من الأمطار التي كانت تتساقط بغزارة، وهو ينتعل جزمة صفراء. ولم يصل للاجتماع إلا وقد صادف وحادث مئات الأشخاص، دون أن يخذل أحدًا منهم، وفي النهاية لم يدع أحدًا من المواطنين يشتكي من عدم سماع الوزير صوته.

لا بدّ أن أعبّر عن احترامي وإعجابي الكبير لما رأيته من حماس ونشاط وتفاعل غريب مع جميع الطلبات التي كان يقدّمها له المواطنون، وكيف كان يقابلها بطريقة عقلانية تسرّع الحلول بصبر وقوة تحمل. لا يمكن القيام بهذه المهمة على الوجه الصحيح إلا إذا نُظر إليها كعبادة. ولقد رأيت بكل صراحة كيف كان الوزير صويلو غارقًا في هذه العبادة.

على صعيد آخر، يحتاج الاستماع للناس ومطالبهم وهمومهم قدرًا كبيرًا من الصبر والتحمل، دون التذمر بهم، فأحيانًا تكون بعض المطالب غير معقولة أو غير محقة أصلًا، كمن يتظاهر بعدم حصوله على تعويض من الدولة لكن حينما يحصل تحقق من ذلك يجد أن التعويض وصله منذ أسبوع، وما شابه من حالات.

خلال الاجتماع مع مجلس تنسيق الكوارث، بينما كان يدور الحديث حول وضع المواطنين المتضريين من الفيضانات وحجم الخسائر، والمساعدات المقدّمة من الدولة، وما تم إنجازه لاستبدال المباني المتضررة أو المدمّرة، كان يقطع صويلو الحديث للسؤال عن حال المدرسة الفلانية بتلك القرية والنافورة بالقرية الأخرى أو الطرق أو الجسر الفلاني، وقس على ذلك. لدرجة أنك تدرك أنه لا ينسى أيًّا من وعوده التي قدمها للناس، وأنه يريد الاطمئنان أن جميع الأمور تسير على ما يرام حينما يغادر. بمعنى آخر، هو لا يكتفي بإعطاء التعليمات فحسب، بل يطلع على سير الأمور بنفسه ويتحقق منها واحدًا تلو الآخر.

استمرت رحلتنا نحو المحطة الثانية؛ منطقة “أونية” بولاية أوردو، حيث تم افتتاح “روضة أطفال أران بلبل للتعليم الخاص”، والتي أؤسست من قبل أحد فاعلي الخير. خلال افتتاح الروضة وجد الأهالي فرصة للقاء الوزير صويلو فاستمع لمطالبهم واحدًا تلو الآخر، حتى خلال الوقت القصير لتناول الطعام وهو 15 دقيقة فقط، لم يتردد في الاستماع لهموم الناس من حين لآخر.

أما الوجهة التالية فقد كانت شرناق. تلك المدينة التاريخة التي أضحت دوحة سلام واستقرار بفضل الجهود المكثفة لمحاربة الإرهاب. رحّب الأهالي بصويلو باهتمام وحب لا يقل عن احتفاء ولايات البحر الأسود به. وخلال فعالية العرض الأول لفيلم “عاكف” الذي أتيحت لي الفرصة للمشاركة بإنجازه كمستشار حول قصة كتابة النشيد الوطني الذي كتبه عاكف إرصوي، وجد الناس فرصة للحديث مع الوزير صويلو، ليستمع من جديد للمشاكل والمطالب ويعمل على تقديم الحلول.

أخيرًا دخلنا الفندق عند الساعة 12:30 ليلًا، لنغادر عند الساعة 05:00 صباحًا نحو “تيللو” بولاية سيرت. وصلنا إلى “تيللو” عبر المروحية لزيارة “حادثة الضوء” التي أعدها إبراهيم حقي لشيخه إسماعيل فقير الله. وإلى جانب هذه الزيارة المليئة بالروحانية، كان الوزير صويلو غير متردد في مواصلة استماعه للناس دون كلل، بل بكل صبر واهتمام وهو يحاول تسريع حل ما يطرحونه بكل ما يستطيع.

جولة في خمس مدن وخلال 24 ساعة بوتيرة مذهلة للغاية، تبدو وكأنها في خمس عوالم مختلفة، كان الثابت فيها ذلك النهج الذي يتعامل مع السياسة كوسيلة لخدمة الناس بإرادة متينة وقلب مخلص.

بدورنا كان من الواجب علينا أن نحكي جزءًا صغيرًا فقط مما شهدناه في هذه الرحلة.

ياسين اقطاي – ترك ميديا

المصدر: الاناضول

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى