مقالات

‏صراع على ضفاف البوسفور .. بين “تركيا القديمة” و”تركيا الجديدة”

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

صراع على ضفاف البوسفور .. بين “تركيا القديمة” و”تركيا الجديدة”

ترك ميديا

بقلم/ محمد صلاح الدين عبد ربه

‏صراع على ضفاف البوسفور .. بين “تركيا القديمة” و”تركيا الجديدة”

يتسائل البعض ماذا يحدث في تركيا منذ بضعة أيام هل هناك تظاهرات فعلاً؟
وما هي أسباب تلك التظاهرات التي بدأ صداها يرتفع حتى وصل إلى خارج تركيا؟
و لماذا اندلعت؟

والإجابة هي : نعم

نعم.. هناك تظاهرات اندلعت في إحدى الجامعات التركية رافضة لقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتعيين أحد الموالين لحزب العدالة والتنمية رئيساً لإحدى الجامعات التركية العريقة وهي جامعة البوسفور (بوغازجي) باللغة التركية، وهي جامعة من أعرق وأقدم الجامعات التركية حيث تأسست في عام 1863 في الفترة الأخيرة من عهد الدولة العثمانية، وتعتبر أول مؤسسة تعليمية “أمريكية تم إنشاؤها خارج الولايات المتحدة الأمريكية”، وهي تُدرس باللغة الإنجليزية، لذا فهي تُخرج جزء كبير من نُخبة النخبة في البلاد في العديد من المجالات وقطاعات الدولة الرسمية والخاصة.

حيث قام الطلبة بالتظاهر مدعومين من أحزاب المعارضة رفضاً للرئيس الجديد للجامعة الجديد والمعين من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفق الدستور والنظام الرئاسي المُستفتى عليه من الشعب التركي والذي يمنح الرئيس حقاً في تعيين رؤساء الجامعات، على غير ما كان في السابق وذلك حرصاً على أن تتناغم السياسية التعليمية للدولة مع سياسية الجامعات ولا يكون هناك أي تعارض بما يملكه رئيس الجامعة من صلاحيات واسعة داخل الجامعة بحكم القانون.

لذا اختار الرئيس التركي تعيين للدكتورمليح بولو (50 عاما) الحاصل على دكتوراه في إدارة الأعمال لرئاسة جامعة البوسفور (بوغازجي) لقربه من حزب العدالة والتنمية حيث ترشح بولو للبرلمان عام 2015 على قوائم حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكن لأنه من خارج جامعة البوسفور (بوغازجي) فقد استغل الطُلاب ومن ورائهم تلك الذريعة لرفض القرار والتظاهر ضده، مُطالبين بأن يكون الرئيس الجديد للجامعة من داخل الجامعة، حيث كان يتم قبل ذلك بالانتخاب من الهيئة العلمية داخل الجامعة.

مما يعني تحصين الجامعة أو جعلها كالحصن لا أحد يدخل إليها ولا أحد يخرج منها إلا وفق ما تراه الجامعة لنفسها، وهنا تجدر الإشارة إلى الصلاحيات الواسعة لرئيس الجامعة وخطورة هذا المنصب حيث يُمكن لرئيس الجامعة “السماح” أو “عدم السماح” للمحجبات بالدخول إلى الجامعة.

صراع سياسي أم صراع قيم؟

لذا فهناك خشية من الطلبة (المُنتمين للتيار اليساري) بالجامعة -والتي تعتبر معقلاً رئيسياً لهم- من أن يتم المساس بأفكارهم أو يتم التأثيرعلى نمط حياتهم الجامعية المُتغربنة التي اعتادوا عليها. وذلك في ظل الصلاحيات الواسعة التي يمتلكها رئيس الجامعة، والتي تُمكنه من وضع سياسات إدارية وتعليمية وإرساء التقاليد والقيم الأخلاقية التركية الأصيلة التي لا تتعارض مع قيم الإٍسلام الحنيف بل تعتز به، وبالتالي يتم الحد من تطرف تلك الأفكار العلمانية المُتغربنة والتي وأثرها على عقول ونفوس الطُلاب من المؤدلجين ومن غير المؤدلجين بالجامعة (والتي عانت تركيا منها لعقود طويلة قبل حزب العدالة والتنمية الذي صعد للحكم في العام 2002 )، والتي لا تقف عند حدود رفض قيم الإسلام ومقدساته بل تتجاوز لإهانة تلك المقدسات دون خشية من المُحاسبة من الجامعة أو الدولة.

وقد ظهر ذلك واضحاً خلال التظاهرات المُندلعة حالياً حيث قام بعض المتظاهرين في الجامعة صورة مُهينة للكعبة المُشرفة ووضعوا عليها علم قوس قزح رمز (مجتمع الشواذ كما يُعرف عربياً وإسلامياً) أو (مجتمع المثليين كما يُعرف غربياً) ثم وضعوها بالقرب من مكتب عميد جامعة البوسفور، ظناً منهم أن لذلك علاقة بحرية الرأي والتعبير.
ثم كشف وزير الداخلية التركي سُليمان صويلو أن من قام بذلك مجموعة مُنحرفة بحسب وصفه حيث غرد على حسابه بتويتر قائلا :

“هل ينبغي أن نتسامح مع المنحرفين المثليين الذين يهينون الكعبة المشرفة؟ بالطبع لا.. هل ينبغي أن نتسامح مع المنحرفين المثليين الذين حاولوا احتلال مبنى رئيس الجامعة؟ بالطبع لا.”

ثم تم توقيف أعداداً من المتظاهرين على خلفية اعتدائهم على رجال الشرطة، حيث يُريد الطبلة المتظاهرين عد التدخل من الرئيس التركي (أي رفض نتائج الاستفتاء الشعبي الذي يُمكن الرئيس من ممارسة صلاحياته) بحجة عدم رغبتهم في تأثير الإدارة الجديدة على نمط حياة الطلبة وأفكارهم تمهيداً لبث الأفكار التركية أو العثمانية ” الإسلامية” بديلاً عن الأفكار الغربية التي اعتادوا عليها والتي لا تعتبر الشذوذ الجنسي انحرافاً بل حرية شخصية.

هجوم مضاد

هذا وقد هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي قائلاً: مجتمع الشواذ “المثليين” معتبرا أنه يتناقض مع القيم التركية وشبّه المتظاهرين الطلاب بـ”الإرهابيين” بعد أن وضعت مجموعة من الطلاب صورة للكعبة مع علم المثليين بالقرب من مكتب عميد جامعة البوسفور

و للأسبوع الثاني على التوالي تستمر التظاهرات مدعومة من الأحزاب المُعارضة العلمانية وأكبرها حزب الشعب الجمهوري بطبيعة الحال.

وبحسب الجزيرة فبينما استمرت الاحتجاجات رغم حظر التجوال المعلن، أعلن ظافر ينال مستشار رئيس جامعة بوغازيتشي استقالته من منصبه عبر حساب “لينكد إن” الخاص به، وقال “لقد استقلت من منصبي كمستشار لرئيس جامعة بوغازيتشي حتى لا أرى جامعة ذات أبواب مقيدة مرة أخرى”، في إشارة إلى إغلاق الشرطة بوابة الجامعة لمنع المحتجين من التدفق إليها.

محاولات للضغط

وعلى خلفية التظاهرات وبحسب موقع الجزيرة نت ” قرر مجلس شيوخ جامعة بوغازيتشي والمجلس التنفيذي للجامعة إلغاء الاجتماع مع رئيس الجامعة ميليح بولو بسبب “ظروف الجامعة”..

وهو أمر فيه ما فيه من الدعم غير المباشر للتظاهرات وعدم الامتثال لقرار الرئيس رجب طيب أردوغان حيث أن التعلل بالتظاهرات ليس مبرراً لإلغاء الاجتماع، لأن ذلك يعني صب مزيد من الزيت على النار.
وفي السياق، ذكر الكاتب الصحفي التركي طه عودة أوغلو أن “الحكومة التركية تحاول حل هذه المشكلة وحصرها في الجامعة وعدم تمددها إلى مدن أخرى، وهي تقول إن المظاهرات تتجاوز الخطوط الحمراء بالخروج في ساعات حظر التجوال، إضافة إلى اتهام بعض الجهات بإثارة هذه المظاهرات لتعكير الأجواء”.
وقال عودة أوغلو للجزيرة نت إن الرئيس أردوغان لن يتراجع عن خطوة التعيين كون تراجعه سيشجع المعارضة على الضغط عليه في قرارات أخرى.

وأخيراً: رسالة ومآلات التظاهرات؟

اللافت هو أن المعارضة تعلم أن الرئيس تركي لن يتراجع عن تلك الخطوة، وأن القرار قد صدر وانتهى الأمر ولا رجعة فيه ، ولكن ما فعلته أحزاب المُعارضة العلمانية هو أنهم حركوا الطُلاب المؤدلجين “المجموعات اليسارية” ودعموهم للتظاهر لإرسال رسائل عدة مفادها:

أننا قادرون على تحريك الطُلاب وبالتالي تحريك الشارع ضد الحكومة في أي وقت.
أنه يتعين على رئيس الجامعة أن يستسلم لمجلس شيوخ الجامعة والإدارة التنفيذية التابعة للجامعة ولا يتخذ قرارات إدارية أو علمية تُغير من توجهات الجامعة العلماني “شديد العلمانية”.

إذاً الهدف هو إظهار العضلات من جهة، وتقييد القدرة على الفعل لرئيس الجامعة الجديد من جهة أخرى.

ولكن من يتذكر أحداث أزمة حديقة غيزي في تركيا عندما رفض التيار العلماني مشروع التوسعة في ميدان تقسيم معقل العلمانية في العام 2013 والذي كان يتضمن بناء مسجد كبير في قلب الميدان يُدرك أن الرئيس التركي لا يتراجع عن أهدافه مهما كلفه ذلك الأمر وأن المعارضة التركية المدعومة من الغرب لن يكون لها أنياب مرة أخرى، كما كان قبل صعود حزب العدالة والتنمية، لأن هذه الأحزاب باتت تُدرك أن المزاج الشعبي ليس معها على الإطلاق وأنها في أضعف حالاتها وأن دعم هذه التظاهرات يأتي كمحاولة هابطة لتوحيد الصفوف الداخلية المهترئة داخل تلك الأحزاب التي تواجه تصدعات وفضائح وانقسامات عديدة بداخلها.

وأخيراً:

فقد علق الرئيس التركي أردوغان على تلك الأحداث موجهة رسالة مزوجة العناوين (للداخل والخارج) قائلاً: “الذين يحاولون زعزعة الإستقرار في بلدنا بتحريض المخربين سيصابون بخيبة الأمل”..

هذا وقد حظي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدعم إلكتروني قوي للغاية بعد انتشار وسم #مع_الطيب_أردوغان و بالتركية #ErdoğanınYanındayı والذي تخطى حاجز المليون تغريدة في ساعات قليلة، وكانت هذه هي الرسالة الشعبية القوية للمتظاهرين ومن خلفهم في الداخل والخارج.

حفظ الله تركيا وشعبها وقيادتها وأدام استقرارها ووفقها للاستمرار في مسيرة النهضة والتطور والنمو مع الرجل الذي غير وجه تركيا ومنع المنطقة من الوقوع في آتون الانقلابات والفوضى.

المصدر: ترك ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى