رجب طيب أردوغان
سياسي تركي كان مولعا في صغره بكرة القدم، بدأ مسيرته كرئيس لبلدية إسطنبول، وتقدم في الساحة السياسية حتى تسلم رئاسة الجمهورية. نجح في تحقيق نهضة اقتصادية شاملة، حيث استطاع قيادة بلاده بنجاح وفاعلية.
حقق حزبه انتصارات متتالية في الانتخابات، وعادت تركيا بفضله إلى مكانتها “الشرقية” دون التصادم مع واقعها السياسي والجغرافي. كونه الرئيس الأول الذي انتخبه الشعب مباشرة، قدم إسهامات هامة في تطوير وتعزيز البلاد.
مولد ونشأة أردوغان
ولد رجب طيب أردوغان في يوم 26 فبراير/شباط 1954 في حي قاسم باشا، وهو أحد الأحياء الشعبية في مدينة إسطنبول. تعود أصوله إلى مدينة ريزا الواقعة شمال شرقي تركيا على البحر الأسود.
والدته هي تنزيلة، ووالده هو أحمد أردوغان، كان بحارًا بدأ حياته العملية في إدارة الشؤون البحرية في إسطنبول حتى تقاعده.
كان والده معروفا بتدينه ووفائه ومواظبته على صلواته، وبحبه الشديد للبحر لدرجة اتخاذه إياه سبيلا لطريقه إلى أداء مناسك الحج عام 1958.
لديه أخ يصغر منه بـ 4 أعوام يدعى مصطفى، وأخت تصغر منه بـ 12 عامًا.
كان رجب طيب أردوغان مهتمًا بكرة القدم منذ صغره، وظل يلعبها ويخصص معظم وقته لها خلال فترة دراسته الابتدائية والثانوية، حتى بلغ الـ 26 عامًا.
على الرغم من حلمه في طفولته بأن يصبح لاعب كرة القدم، إلا أن الأقدار جعلته يتجه نحو مجال السياسة.
تزوج رجب طيب أردوغان من أمينة أردوغان عام 1978، وأنجبا 4 أبناء هم: أحمد براق، وإسراء، وسمية، ونجم الدين بلال.
وفي ذلك الوقت، كانت أمينة أردوغان تشغل منصب رئيسة ثانية لجمعية “السيدات المثاليات”، وهي جمعية أُسست في حي إسكودار بإسطنبول برفقة شعلة يوكسال.
وكانت هذه الجمعية مكانًا التقى فيه أردوغان بأمينة قبل أن يقدم لها عرض الزواج.
دراسة وتكوين أردوغان
تلقى رجب طيب أردوغان تعليمه الابتدائي في مدرسة قاسم باشا وأكمله في عام 1965.
تميز وتألق أردوغان في المدرسة لدرجة أن مديرها استدعى والده للتحدث معه، وتوصيته بدعم تعليم ابنه وتحفيزه للتفوق.
واصل أردوغان تعليمه في المرحلة الثانوية في ثانوية إسطنبول للأئمة والخطباء، حيث حصل على منحة إقامة مجانية.
تخرج من المدرسة في عام 1973، حيث لفت انتباه الجميع بتألقه كطالب متفوق ورياضي ماهر، حيث شارك في رياضات مثل كرة القدم والكرة الطائرة.
خلال فترة دراسته في الثانوية، كانت المدرسة محورًا هامًا وداعمًا لمساره السياسي. استفاد فيها من فهمه للبيئة التركية وتعلم كيفية التفاعل معها واحترام قيمها الثقافية.
برع أيضًا في الخطابة البليغة، حيث جذب المستمعين بكلماته وخطبه المؤثرة.
وبالرغم من رغبة والده في أن يكمل أردوغان دراسته في مدرسة داخلية، إلا أنه اختار العمل كبائع سميط وماء في شوارع إسطنبول خلال عطلة نهاية الأسبوع لتوفير الأموال اللازمة لشراء الكتب.
استثمر الأموال التي جناها في تشكيل مكتبة كبيرة، وهو ما ساعده في متابعة دراسته.
حصل أردوغان على شهادة الثانوية العامة بعد اجتياز امتحانات المواد الإضافية، ومن ثم انضم إلى كلية العلوم الاقتصادية والتجارية في جامعة مرمرة، حيث تخرج في عام 1981.
اقرا ايضا: “قبة الإسلام”.. أكبر وأقدم مقبرة إسلامية تركية تاريخية
التجربة الرياضية لأردوغان
بدأ رجب طيب أردوغان هوايته الرياضية بلعب كرة القدم في سن مبكرة خلال المرحلة الابتدائية، حيث ظهرت مهاراته واستعراضه الكروي.
تزايد اهتمامه باللعبة خلال المراحل الإعدادية والثانوية، حيث أصبحت كرة القدم جزءًا لا يتجزأ من حياته.
في فترة ما، انضم أردوغان إلى نادي “جامع ألتى” الرياضي، بعدما لفت انتباه المسؤولين في النادي بفضل خفة حركته وموهبته الفردية. تلقى عرضًا مغريًا من النادي يتضمن مبلغ ألف ليرة شهريًا، مما دفعه للانضمام إلى الفريق.
أطلق أصدقاؤه عليه لقب “الإمام بكينباور”، الذي استلهموه من تكوينه في مدرسة الأئمة، وأضافوا إليه اسم نجم المنتخب الألماني فرانز بكينباور، الذي كان قد ألهم أردوغان بأسلوب لعبه.
في عام 1975، انتقل أردوغان إلى صفوف نادي “هيئة الترام والأنفاق بإسطنبول”، حيث استمر في تطوير مهاراته وتحقيق نجاحاته في عالم كرة القدم. ورغم تحذير والده من تركيزه على اللعبة، إلا أنه استمر في الازدهار.
ومع مرور الوقت، تلقى أردوغان عروضًا للانضمام إلى أندية أخرى مثل “إسكي شهير” و “فنار باهشته”، لكن والده كان يروج لفكرة أن هواية ابنه هي مجرد إهدار للوقت.
وهكذا، فاتت على أردوغان بعض الفرص الكروية الكبيرة بسبب تردد والده في الموافقة على انتقاله إلى أندية أكبر.
التجربة السياسية لأردوغان
تولى رجب طيب أردوغان دورًا بارزًا في الاتحاد الوطني للطلبة الأتراك والمنظمات الشبابية، وعندما كان في سن مبكرة انخرط في حزب “السلامة الوطنية” الذي تأسس عام 1972 بزعامة نجم الدين أربكان.
ثم انضم إلى صفوف حزب “الرفاه”، وبعد ذلك انتقل إلى حزب “الفضيلة”، وكلاهما تأسس على يد أربكان رداً على سلسلة من القيود والحظر التي فرضت على الأحزاب ذات الطابع الإسلامي.
وفي سنة 1976 انتُخِب رئيسا للمنظمة الشبابية لحزب “السلامة الوطني” في منطقة باي أوغلو التابعة لمدينة إسطنبول، وفي العام نفسه تولى رئاسة جناح الشباب عن محافظة إسطنبول كاملة.
في عام 1983، عاد رجب طيب أردوغان إلى الساحة السياسية بقوة بعد تأسيس “حزب الرفاه”، حيث تسلم منصب رئيس الحزب في فرع “باي أوغلو” في إسطنبول عام 1984، ومن ثم أصبح رئيسًا للحزب في المدينة نفسها.
كما شغل أردوغان أيضًا دورًا مهمًا كعضو في اللجنة الإدارية لاتخاذ القرارات المركزية لحزب الرفاه في عام 1985.
تسلم منصب رئاسة حزب “الرفاه” في إسطنبول في عام 1985، حينما كان عمره 30 عامًا فقط، وتم ترشيحه من قبل الحزب كمرشح لعضوية البرلمان في انتخابات 1987 و1991، إلا أن الحظ لم يكن في صالحه في هاتين الفترتين.
بعد ذلك، قرر الترشح لمنصب رئيس بلدية إسطنبول في 27 مارس 1994، حيث نجح في الفوز بهذا المنصب. ومن هنا بدأ مساره السياسي المتقدم والصعود في الهرم السياسي.
أثناء توليه إدارة حزب الرفاه في إسطنبول، أولى اهتمامًا خاصًا للنشاط النسائي السياسي، فدخلت النساء معترك السياسة والعمل الميداني المرتبط بها.
حقق خلال فترة رئاسته للبلدية إنجازات نوعية أكسبته شعبية كبيرة في تركيا، لكن ذلك لم يمنع خضوعه للمحاكمة من قبل محكمة أمن الدولة عام 1998، وسُجن بتهمة التحريض على الكراهية الدينية.
تم منع أردوغان أيضاً من الترشح للانتخابات العامة ومن ممارسة أي وظائف حكومية. جاء هذا الحكم نتيجة لاقتباسه في إحدى خطبه الجماهيرية لأبيات شعر لشاعر تركي، حيث قال فيها:
مساجدنا ثكناتنا …… قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا …… والمؤمنون جنودنا
هذا هو الجيش المقدس …… الذي يحرس ديننا
ومع ذلك، لم يُثنِ الحكم القضائي هذا عزيمة أردوغان، بل أشعل فيه الشوق لتحقيق مزيد من الطموحات السياسية.
بعد حظر حزب الفضيلة، قرر أردوغان الانفصال عن تيار أربكان، وذلك برفقة عدد من الأعضاء، بينهم عبد الله غل، حيث أسسوا حزب العدالة والتنمية في عام 2001.
منذ البداية، حاول أردوغان تفادي الشكوك المتعلقة بتواصله مع تيار أربكان والتزاماته الأيديولوجية، حيث أعلن بقوة أن حزب “العدالة والتنمية” يحترم ويحافظ على أسس النظام الجمهوري، وأنه لن يتورط في مواجهات مع القوات المسلحة التركية، وذلك بهدف تهدئة التوترات وتجنب الصدام مع المؤسسات العلمانية التي أثارت استياءها تيار أربكان المتشدد في الماضي.
في عام 2002، قاد رجب طيب أردوغان حزب العدالة والتنمية إلى تحقيق انتصار ساحق في الانتخابات التشريعية التركية، حيث فاز بـ 363 مقعدًا في البرلمان، مما أتاح له تشكيل الحكومة بأغلبية برلمانية هائلة.
ورغم أنه تم منعه قضائيًا من تولي وظائف حكومية في بداية فترة حكمه، إلا أنه تولى رئاسة الحكومة في مارس 2003 بعد رفع القيود القضائية.
في انتخابات عام 2007، نجح حزب العدالة والتنمية مرة أخرى في الحصول على أغلبية البرلمان بنسبة 46.6%. وكرر هذا الإنجاز في انتخابات عام 2011، حيث حصل على نحو 50% من أصوات الناخبين.
في 10 أغسطس 2014، فاز أردوغان في أول انتخابات رئاسية يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية التركي مباشرةً. حقق فوزه في الجولة الأولى متفوقًا على منافسيه، ليصبح بذلك الرئيس الـ12 في تاريخ تركيا.
بعد اعتماد التعديل الدستوري في الاستفتاء الذي جرى في 16 أبريل/نيسان 2017، والذي فتح الباب أمام إمكانية انتماء رئيس الجمهورية إلى حزب سياسي، تمت إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان في المؤتمر الاستثنائي الثالث، الذي عقد في 21 مايو/أيار 2017، حيث تم انتخابه رئيسا لحزب العدالة والتنمية.
وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 يونيو/حزيران 2018، حصل أردوغان على نسبة 52.59% من الأصوات، مما أدى إلى تجديد فترة رئاسته للجمهورية.
وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في 14 مايو/أيار 2023، حصل أردوغان على نسبة 52.2% من الأصوات امام منافسه مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو في جولة الإعادة، هذا الانتصار سمح لأردوغان بالمضي قدمًا في فترة رئاسية جديدة.
اقرا ايضا: تركيا.. مدينة النبي موسى شاهد على تاريخ أورفة الديني
انجازات رجب طيب أردوغان
على الصعيد الداخلي، شهدت تركيا تحسينات اقتصادية كبيرة خلال حكم أردوغان، حيث حاول خلال فترة حكمه التركيز على نهج وسطي، وأكد على أن حزبه ليس حزبًا دينيًا بل حزبًا ديمقراطيًا محافظًا.
كما نوه بالحاجة إلى عدم استغلال الدين في السياسة وانتقد ما وصفه بـ “استغلال الدين وتوظيفه في السياسة”.
في إطار سياسته الخارجية، أظهر هذا الزعيم تصرفات ملحوظة في قضايا عربية بارزة. على سبيل المثال، قاطع منصة مؤتمر دافوس الاقتصادي أمام وسائل الإعلام، احتجاجًا على عدم منحه الوقت الكافي للرد على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وذلك في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2009.
تجلى تفانيه في محاولات متكررة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وكان له وقوف متين إلى جانب الشعب السوري في ثورتهم ضد نظام بشار الأسد.
كما قام بالتصدي للانقلاب الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، الذي أدى إلى عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي.
بهذه الخطوات، أظهر هذا الزعيم تصميمًا وقوة إرادة في التعبير عن مواقفه تجاه القضايا الإقليمية، وتحديدًا فيما يتعلق بالقضايا الفلسطينية، السورية، والمصرية.
تلك المواقف تجسِّد التزامه بالقضايا العربية الحيوية، حيث دأب على التصدي للظلم والقمع، وتحقيق التضامن مع القضايا العادلة والشعوب المظلومة في المنطقة.
الانقلاب الفاشل في تركيا
في مساء يوم 15 يوليو 2016، أعلن مجموعة من الضباط والجنود في الجيش عن قيامهم بانقلاب عسكري ضد السلطة الحاكمة في تركيا، حيث قاموا بالاستيلاء على القناة الفضائية الرسمية، وأجبروا العاملين فيها على بث بيان يعلن إسقاط النظام القائم والرئيس رجب طيب أردوغان، وأعلنوا في هذا البيان، عن تشكيل هيئة لاستلام السلطة وتعهدوا بصياغة دستور جديد.
على الفور خرج الرئيس أردوغان عبر وسائل الإعلام التركية، وأكد على عدم قبوله بهذا الانقلاب ووعد بإفشاله. دعا الشعب التركي إلى النزول إلى الشوارع لحماية الديمقراطية والتصدي لمحاولة الانقلاب.
تحولت هذه الدعوة إلى استجابة شعبية واسعة، حيث خرج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع وبعض المطارات التي كانت قد سيطر عليها الجيش الانقلابي.
سارعت السلطات إلى اعتقال عدد من المشاركين في محاولة الانقلاب، وسط تزايد التضامن مع الحكومة التركية. في الفجر التالي، ألقى أردوغان خطاباً آخر أكد فيه أن الحكومة مستمرة في إدارة البلاد بعد فشل محاولة الانقلاب.
جوائز وأوسمة رجب طيب أردوغان
- في عام 2009، قُدمت له الجمعية الثقافية الألمانية التركية جائزة ابن سينا، وكان هذا التقدير مشتركًا مع رئيس وزراء إسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان.
- منحته المملكة العربية السعودية جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2010.
- حصل على شهادة دكتوراه فخرية في مجال خدمة الإسلام من جامعة أم القرى بمكة المكرمة. في العام نفسه، منح جائزة القذافي لحقوق الإنسان.
هذه الجوائز والتقديرات تعكس التقدير العالمي لجهود رجب طيب أردوغان وخدماته في مجال خدمة الإسلام والعمل الإنساني.
اقرا ايضا: جامع السلطان أحمد .. تاريخ ومعمار