مقالات

من أين يحصل الاحتلال الإسرائيلي على الجرأة التي يحتاجها؟

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

إنّ بدء الاحتلال الإسرائيلي شنّ هجمات دنيئة جديدة على المسجد الأقصى في شهر رمضان مستفزًّا جميع المسلمين في العالم، يشير بطريقة ما إلى غطرسة الاحتلال وعدوانيته التي اعتدنا عليها.

إن إسرائيل تتعمد في الحقيقة شن هجماتها في أكثر الأوقات حساسية بالنسبة للمسلمين، وكأنها تتوقع مسبقًا بأن ردود الفعل ستكون الأقوى في مثل هذه الأوقات.

ألا تدرك إسرائيل يا ترى أن قيامها بهذه الاعتداءات في الوقت الذي تزداد فيه روح ومشاعر الجماعة عند المسلمين في ليلة القدر، يمكن أن يخلق ردة فعل قوية ضدها على المستوى العالم، وأن يؤجج مشاعر معاداة السامية بما يخلق تبريرًا منطقيًّا لهذه المشاعر؟

إن التوقيت والتهور اللذين يكتنفان الاعتداءات الإسرائيلية، كشفا في الواقع عن الخريطة الكاملة لاتهامات معاداة السامية، والنموذج العام لسياسة إسرائيل في هذا الإطار. حيث أن إسرائيل لا تكترث أصلًا لمعاداة السامية بأي حال، بل إنها تستفيد منها وتتغذى عليها فحسب.

اقرأ أيضًا: إعدامات جماعية في رمضان.. اختبار لأي نوع من المستويات؟

إنها في الواقع تنظر لهذه الاعتداءات التي تقوم بها اليوم، على أنها اختبار لنظام الدفاع الذي طورته إلى اليوم في العالم المعاصر من اصتال-سياسة-هيمنة.

إنها باتت تدرك أن الانتهاكات الإنسانية التي تقوم بها مهما بلغت درجتها، ومهما كان قرار الأمم المتحدة الذي تنتهكخ وتخالفه، وأيًّا كانت محاولات الاحتلال التي تُقدم عليها؛ فإنها في النهاية تختبر عدم فعالية أي اتصال مضاد أو عقوبات فعلية يمكن أن تطبّق ضدها.

في الولايات المتحدة فقط تتمتع إسرائيل بهيمنة ساحقة على الرأي العام الأمريكي، سواء في مجال السياسة أو الإعلام أو الأوسط الأكاديمية، تعتبر أكثر من جاهزة ومهيئة بشكل جيد كي تُظهر أن جميع الانتهاكات الإسرائيلية وخرق القواعد والإرهاب؛ على أنها في إطار الدفاع عن النفس فحسب.

إن جميع السياسيين الأمريكيين يبدون كرهائن في هذا الإطار. لا سيما وأنه لا يوجد أي لوبي أو إرادة سياسية أو حتى قوة إعلامية يمكن أن تشتغل ضد الاحتلال، وتعكس حقيقة ما يقوم به بالفعل من انتهاكات واعتداءات.

نعم يمكن أن تكون هناك ضغوطات غير مباشرة سواء من قبل الاتحاد الأوروبي أو المسلمين، لكن يبدو أن هذه الجبهة أيضًا قد أحكت عليها السيطرة، لا سيما مع العمليات التي خاضها صهر ترامب، كوشنر في العديد من الدول المسلمة.

لا يوجد صوت من العالم الإسلامي الذي يضم أكثر من مليار و700 مليون مسلم، ضد الممارسات الإسرائيلية الراديكالية والأكثر تطرفًا على الإطلاق، وانتهاكاتها بحق المسلمين في المسجد الأقصى الذي يعتبر من أهم مقدسات المسلمين.

إن إسرائيل تعلم وتدرك ذلك كله، ولذا فهي تبعث بالطمأنية لنفسها من خلال القيام باختبار ردود فعل المسملين إزاء ما تقو به من اعتداءات.

لكن ومع ذلك، يجب أن لا ننسى بأن اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى عام 1969، دفع المسلمين الذين وجدوا أنفسهم متفرقين عقب 50 عامًا من تفكك العالم الإسلامي، إلى محاولة الالتقاء مجددًا تحت سقف ما تم تأسيسه آنذاك “منظمة التعاون الإسلامي”.

ربما ساهم سقف هذه المنظمة بطريقة ما في إحياء شعور العالم كله بأنه لا يزال هناك كيان يجمع المسلمين إلى اليوم. إلا أنه عاجز تمام العجز عن دفع هذه المنظمة لعقد اجتماع طارئ او التحرك العاجل أو إظهار رد فعل غاضبة أو تطبيق عقوبات لا يمكن الاستهانة بها، إزاء الاعتداءات الإسرائيلية.

لا يمكن التقليل من القوة التي يمكن أن تصدر عن 57 دولة مسلمة تضم أكثر من مليار و700 مليون مسلم. إلا أن هذه القوة والإمكانية مشلولة تدريجيًّا بسبب سياسات إسرائيل الصهيوينة على مستوى العالم.

أما خلال العامين الأخيرين، نجد أن الدول العربية التي لم تكن تعترف بإسرائيل رسميًّا، دخلت في سباق على صعيد “تطبيع” العلاقات مع إسرائيل، في ظل زيادة الإرهاب الإسرائييل، وارتفاع وتيرة الانتهاكات بأكثر الطرق غطرسة.

بيد أن ما حصلوا عليه من “رشاوى سياسية” مقابل هذا البيع والتنازل المجحف، لا يساوي شيئًا أمام اللاأخلاقية والكم الهائل من الفساد الذي هم غائصون فيه.

لقد كانت صفقة خاسرة مذلة بكل ما تحويه الكلمة من معنى، وإن ذلك هو الذي شجّع إسرائيل على رفع سقف هجماتها لا سيما مؤخرًا، حيث أن هجماتها الأخيرة تجاوزت مسألة اختبار فحسب إلى ما هو أعلى من ذلك بكثير. لا تعرف أن ستصل بمستوى هجماتها، إلا أن ما يهمها هو مواصلة ذلك فحسب.

إن إسرائيل تتعامل مع المشهد من خلال النظر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتهية ولايته على أنه “باشا”، في حين ترى أن الرئيس الجديد هو “الآغا”.

كان من الملاحظ أنّ سياسات إدارة ترامب حولت الولايات المتحدة وبواسطة صهره كوشنر، إلى جهاز صهيوني هو الأقوى في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلية، كما لوحظ أيضًا أن الكثير من التضحيات التي قدمها ترامب لم تكسبه شيئًا، ففي الانتخابات، دعمت اللوبيات الصهيونية بايدن وليس ترامب.

جو بايدن، الذي يصف نفسه بأنه أكثر السياسيين صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة والذي يُعرف عنه قوله “أنا أؤيد إسرائيل على أي حال”، لا يتوقع أن يرد ويعترض على كل هذه الانتهاكات.

ومع ذلك ، كان بايدن نفسه حريصًا جدًا على أن يكون أول رؤساء الولايات المتحدة الذين يستخدمون تعبير “الإبادة الجماعية للأرمن” إزاء أحداث قد جرت قبل 106 سنوات.

ومن الجميل أن نشير لما ذكره ديفيد هيرست، رئيس تحرير ميدل إيست آي، في هذا الصدد، حيث قال “إذا أراد بايدن إحداث فرق بحق، فعليه أن لا ينظر للماضي، بل لما يجري الآن على أرض الواقع”.

إذا كان بايدن بالفعل يمتلك أدنى قدر من الصدق بشأن المآسي التي حدثت للإنسانية، بغض النظر عن العرق أو الدين، فعليه أن لا يهرب نحو الماضي بل إلى يومنا وحاضرنا هذا، كي يصنع من ذلك تاريخًا مشرفًا، وعليه أن يبدأ من إسرائيل كأكبر منتهك لحقوق الإنسان في العام. حيث أن المظالم والتمييز الذي يساوي الفصل العنصري وفق التعريف الدولي، واضحنا بشكل لا لبس فيه في ممارسات إسرائيل وانتهاكاتها، سواء من خلال التقارير التي تنشرها منظمات حقوق الإنسان واحدة تلوى الأخرى، أو من خلال الممارسات التي تجري كل يوم على مرأى العالم لدرجة أنه لا يمكن إنكارها على الإطلاق.

لكن بالطبع لا يمكن توقع صوت كهذا النوع من بايدن، حيث أن إسرائيل تواصل انتهاكاتها بارتياح دون أن تشعر بأي قلق فالوضع بالنسبة لها بات تحت السيطرة. كذلك تشعر بالأمان من ناحية الجبهة العربية فهي تحت سيطرتها، وهذا في الواقع ما يمنح إسرائيل الجرأة الأكبر.

تواصل إسرائيل انتهاكاتها واعتداءها، وهي تعتقد أنه لم يعد هناك أي عائق أمامها. إلا أن هذا العائق سيأتي من مكان لم تكن تتوقعه، وربما نحن أيضًا لم نكن نتوقعه يومًا ما.

ياسين اقطاي – ترك ميديا

المصدر: يني شفق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى