مقالات

المحور التركي الباكستاني .. التقارب القوي

تعلم اللغة العربية بالتفاعل

المحور التركي الباكستاني .. التقارب القوي

خاص ترك ميديا

عبد الفتاح أبو طاحون – باحث في الشأن الروسي والتركي

مما أفضت إليه مجريات ومآلات ثورات الربيع العربي من تعرية للتراكمات السياسية وأشكالها وآلياتها التي سادت لعقود ـ ظهور أشكال وآليات سياسية جديدة كناتج طبيعي لهذا المخاض..

فإذاما ذكرنا تورط ما يسمى “محور المقاومة والممانعة” الذي تقوده وتتصدره إيران والنظام السوري ـ في التصدي لثورات الحرية، ودخول إيران ومحورها بشكلها الطائفي لحماية الأقليات التي تتبعها، بات من الطبيعي ظهور محور في الجهة الأخرى ..

تجلت المواجهة بملامحها بمساندة تركيا ومحورها لدولة أذربيجان في صراعها مع دولة ارمينيا التي تلقت دعماً من إيران لمدة ثلاثين عاماً. وكانت قد سبقتها مواجهة عسكرية في معركة إدلب إصطف فيها محور المقاومة بأطرافه الثلاثة “ايرن والنظام السوري وحزب الله” لمواجهة تركيا وأسقاط مدينة إدلب.

لاحقاً في معارك كارباخ بظهور باكستان كداعم للموقف التركي المصطف إلى جانب أذربيجان ظهرت ملامح هذا المحور جلية وبوضوح ..

المساعي التركية في البحث عن شريك قوي ليست وليدة الساعة، فقد بدأت منذ مجيئ حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، ومحاولة التقرب من ذوي القربى كانت سمة المرحلة ما قبل ثورات الربيع العربي.

تجسدت عدة نجاحات للمحاولات التركية في إرساء علاقات إستراتيجية مع دول قريبة .. واليوم العلاقة مع باكستان والتقارب الدؤوب معها يتعدى كونه علاقة بين دولتين متقاربين ثقافيا.. الأمر يصل للسباق مع الزمن تحت ضغط الضرورات الملحة لتجسيد دور مركزي لهذا المحور في ظل التحديات الخطيرة والمتسارعة..

فضعف الغرب وتراجع هيمنته يفتح الأجواء أمام تمدد صيني، تأتي أولويات هذا المحور في تأسيس هيكيلية جيواستراتيجية تملأ الفراغ الجيوسياسي الذي ممكن أن يحدث كنتيجة لتراجع الهيمنة الغربية في المنطقة، وهذا التأسيس الهيكلي الذي قوامه تركيا والباكستان، يؤهل لظهور قوة محورية ومركزية قادرة على استقطاب أعضاء محتملين من ذوي القربى الثقافية والعرقية، ومن غيرهم على حد سواء في مواجهة الفوضى الناتجة عن تراجع الغرب، ولملمة فضاء الإقليم في حال قررت الصين الإستفادة من التراجع الغربي والدخول إلى المنطقة ..

فجاءت خطوة التبادل التجاري بين دولتي المحور في مجال السلاح والتسليح كبداية ذات حجم ومقام كبير، تركيا تختطف الباكستان من هيمنة الصين على وارداتها من التسليح .. وهي اليوم ثاني مورد للسلاح إلى باكستان بعد الصين ..

والصفقات الاستراتيجية بينهما في تصاعد… قريبا تستغني الباكستان عن الصين .. بلا شك ستكون خسارة كبيرة للصين.. ومكسب كبير للمحور التركي الباكستاني… فإنشاء مصنع للطرادات التركية في كراتشي الباكستانية هو بداية لمسار في إتجاه التصنيع العسكري المشترك، الذي بلا شك سيتجاوز الطرادات إلى ما سواها.

تجد تركيا اليوم في باكستان الشريك الأمثل من حيث الإمكانيات والمؤهلات، فالباكستان مؤهلها الأهم أنها تمثل المركز الجيوثقافي لمسلمي القارة الهندية وما حولها.

فيما تركيا هي المركز الجيوثقافي للعالم التركي. وما إلى ذلك فالثقل السكاني الذي تمثله باكستان بواقع يزيد على مائتي مليون، إذا ما اجتمع إلى التعداد التركي ـ فيصل إلى الثلاثمائة مليون، الأمر الذي من شأنه يصبح محفزاً لدول أخرى، وإذا ما ذكرنا أن المواجهة مع عدو محتمل مثل الصين التي تتمتع بتعداد سكاني ضخم.

باكستان الدولة النووية المسلمة الوحيدة، ممكن أن تعطي تركيا زخماً إضافياً على مسرح المواجهة مع دول ذات مقام نووي تكن العداء لتركيا وتتربص بها وبمصالحها مثل فرنسا، سيما أزمات شرق المتوسط ..

وبنفس المقياس والتقدير الضرورة الملحة عند تركيا للشراكة مع الحليف النووي توازن علاقاتها مع دول نووية مقربة مثل روسيا. فالباكستان ممكن أن تخفف إعتماد تركيا على روسيا في هذا المجال.

ومن الناحية الجيوسياسية فموقع دولتي المحور يصل إلى درجة المثالية سيما في هذا التوقيت للحقبة التي نعيشها. فيما تركيا تحد أوروبا وروسيا وتقابل وتحد العالم العربي، باكستان تقابل العالم العربي في جزء حساس مثل الخليج العربي وفي ذات الوقت تحد الصين والهند، وكلا القطبين يحد أيران .. والجدير ذكره أن باكستان تحد الصين في جزء تركستان الشرقية، لما لهذا الملف من حساسية عند تركيا. وهي أي الباكستان متاخمة لأفغانستان وتطل على آسيا الوسطى حيث القسم الأكبر من العالم التركي.

يبقى أن نذكر أن تركيا ترتبت أمورها الداخلية من بعد حدوث الإنقلاب وفشله، ما أكسبها مناعة سياسية واستقرار. باكستان تفتقر إلى هذا النوع من المناعة والإستقرار، وما يسمى بالدولة العميقة مازال مجهولاً فيها حجمها وتأثيرها، ويصعب قراءة توجهات الجهات الخفية فيها وردات فعلها..

فالإنقلاب الذي حدث في مصر ونجح أدى إلى نسف الشراكة المصرية التركية آنذاك ووضع الدولتين في حالة مشاحنة ..

لكن بالمجمل ضعف الهيمنة الغربية وتملل الوجود الغربي باتجاه انسحاب من المنطقة يقلل من فرص انقلابات سيما استنادها كان دائماً على دعم غربي ..

المصدر: ترك ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى